مَا سَأَلْتُمُوهُ).
وقيل: إن تنصروا دين اللَّه ينصركم؛ أي: يجعل الظفر؛ والنصر في العاقبة لكم، وكذلك: وإن كان في ابتداء الأمر الغلبة على المؤمنين؛ فإن العاقبة لهم في الحروب كلها، ومقدار ما كان عليهم إنما كان لأمر سبق منهم: إمَّا إعجابًا بالكثرة؛ كقوله - تعالى -: (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا)، وإما خلافًا لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وفي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) دلالة أن كان من اللَّه معنى لديه تكون الغلبة لهم؛ بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -؛ (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ) ولكان هو يجعل أبدًا الدولة لأحد الفريقين، وقد أخبر أنه يجعل لهما، ومعلوم إن كانت الدولة بالغلبة، فثبت أن من اللَّه في صنع العباد - صنع له أضيف إليه صنيعهم، واللَّه أعلم.
ثم معلوم أن الغلبة لو كانت للمسلمين - كان ذلك ألزم للحجة، وأظهر للدعوة، وأدعى إلى الإجابة، وفيها كل صلاح، فثبت أن ليس في المحنة شرط إعطاء الأصلح، واللَّه أعلم.
وفي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) رد قول الأصلح؛ حيث قالوا: إن اللَّه لا يفعل إلا الأصلح في الدِّين، يقال لهم: أي صلاح للمؤمنين في مداولة الكافرين على المؤمنين؟!.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا):
أي: ليعلم ما قد علم بالغيب أنه يؤمن بالامتحان مؤمنًا شاهدًا، وليعلم ما قد علم أنه يكون كائنًا.
وجائِز أن يراد بالعلم: المعلوم؛ كقوله: الصلاة أمر اللَّه، أي: بأمر اللَّه.
وفي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا. . .) الآية، تخرج على أوجه: