تفسير القرطبي (صفحة 940)

[سورة البقرة (?): آية 211]

سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (211)

قَوْلُهُ تَعَالَى: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ" سَلْ" مِنَ السُّؤَالِ: بِتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ، فَلَمَّا تَحَرَّكَتِ السِّينُ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَلِفِ الْوَصْلِ. وَقِيلَ: إِنَّ لِلْعَرَبِ فِي سُقُوطِ أَلِفِ الوصل في" سَلْ" وثبوتها في" واسئل" وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- حَذْفُهَا فِي إِحْدَاهُمَا وَثُبُوتُهَا فِي الْأُخْرَى، وَجَاءَ الْقُرْآنُ بِهِمَا، فَاتَّبِعْ خَطَّ الْمُصْحَفِ فِي إِثْبَاتِهِ لِلْهَمْزَةِ وَإِسْقَاطِهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي- أَنَّهُ يَخْتَلِفُ إِثْبَاتُهَا وَإِسْقَاطُهَا بِاخْتِلَافِ الْكَلَامِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ، فَتُحْذَفُ الْهَمْزَةُ فِي الْكَلَامِ الْمُبْتَدَإِ، مِثْلَ قَوْلِهِ:" سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ"، وَقَوْلِهِ:" سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ «1» ". وثبت في العطف، مثل قول:" وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «2» "،" وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ «3» " قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ" اسْأَلْ" عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَ قَوْمٌ" اسَلْ" عَلَى نَقْلِ الْحَرَكَةِ إِلَى السِّينِ وَإِبْقَاءِ أَلِفِ الْوَصْلِ، عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: الْأَحْمَرُ. وَ" كَمْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّهَا مَفْعُولٌ ثَانٍ لآتيناهم. وَقِيلَ: بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، تَقْدِيرُهُ كَمْ آتَيْنَا آتَيْنَاهُمْ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا الْفِعْلُ لِأَنَّ لَهَا صَدْرَ الْكَلَامِ." مِنْ آيَةٍ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى التَّمْيِيزِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِي مفعول ثان لآتيناهم، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ فِي آتَيْنَاهُمْ، وَيَصِيرُ فِيهِ عَائِدٌ عَلَى كَمْ، تَقْدِيرُهُ: كَمْ آتَيْنَاهُمُوهُ، وَلَمْ يُعْرَبْ وَهِيَ اسْمٌ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْحُرُوفِ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، وَإِذَا فَرَّقْتَ بَيْنَ كَمْ وَبَيْنَ الِاسْمِ كَانَ الِاخْتِيَارُ أَنْ تَأْتِيَ بِمِنْ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنْ حَذَفْتَهَا نَصَبْتَ فِي الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ، وَيَجُوزُ الْخَفْضُ فِي الْخَبَرِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

كَمْ بِجُودٍ مُقْرِفٍ «4» نَالَ الْعُلَا ... وكريم بخله قد وضعه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015