تفسير القرطبي (صفحة 914)

الجزء الثالث

[تتمة تفسير سورة البقرة]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة البقرة (?): آية 203]

وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَالَ الْكُوفِيُّونَ: الْأَلِفُ وَالتَّاءُ فِي" مَعْدُوداتٍ" لِأَقَلِّ الْعَدَدِ. وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: هُمَا لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ «1» " وَالْغُرُفَاتُ كَثِيرَةٌ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ أَيَّامُ مِنًى، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَسْمَاءَ وَاقِعَةٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ أَيَّامُ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي يَتَعَجَّلُ الْحَاجُّ مِنْهَا فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَقِفْ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ «2» وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ النَّحْرِ، وَكَذَا حَكَى مَكِّيٌّ وَالْمَهْدَوِيُّ أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ. وَلَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ، عَلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ تَصْحِيفِ النَّسَخَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ الْعَشْرَ الَّذِي «3» بَعْدَ النَّحْرِ، وَفَى ذَلِكَ بُعْدٌ. الثَّانِيَةُ- أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِبَادَهُ بِذِكْرِهِ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْهَا، لِإِجْمَاعِ النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَنْفِرُ أَحَدٌ يَوْمَ النَّفْرِ وَهُوَ ثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَوْ كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فِي الْمَعْدُودَاتِ لَسَاغَ أَنْ يَنْفِرَ مَنْ شَاءَ مُتَعَجِّلًا يَوْمَ النَّفْرِ، لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ يَوْمَيْنِ مِنَ الْمَعْدُودَاتِ. خَرَّجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بعرفة فسألوه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015