تفسير القرطبي (صفحة 893)

بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَفَاضَ نَهَارًا قَبْلَ اللَّيْلِ، إِلَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا. وَأَمَّا مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِاللَّيْلِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْأُمَّةِ فِي تَمَامِ حَجِّهِ. وَالْحُجَّةُ لِلْجُمْهُورِ مُطْلَقُ قَوْلِهِ تَعَالَى:" فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ" وَلَمْ يَخُصَّ لَيْلًا مِنْ نَهَارٍ، وَحَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الموقف من جميع، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُكَ مِنْ جَبَلَيْ طئ، أَكْلَلْتُ مَطِيَّتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللَّهِ إِنْ تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ (?) إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى مَعَنَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِجَمْعٍ وَقَدْ أَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ قَضَى تَفَثَهُ (?) وَتَمَّ حَجُّهُ). أَخْرَجَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، مِنْهُمْ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ الطَّائِيِّ حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ الثِّقَاتِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ، مِنْهُمْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَدَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ وَزَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ وَمُطَرِّفٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ. وَحُجَّةُ مَالِكٍ مِنَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ: حَدِيثٌ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ: فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ. وَأَفْعَالُهُ عَلَى الْوُجُوبِ، لَا سِيَّمَا فِي الْحَجِّ وَقَدْ قَالَ: (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِككُمْ). الرَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِيمَنْ أَفَاضَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَرْجِعْ مَاذَا عَلَيْهِ مَعَ صِحَّةِ الْحَجِّ، فَقَالَ عَطَاءٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وأصحاب الرأي وغيرهم:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015