تفسير القرطبي (صفحة 868)

فِيهَا. فَأَمَّا الْوَجْهُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ فَهُوَ التَّمَتُّعُ المراد بقول اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:" فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ" وَذَلِكَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ- عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهَا- وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ، وَقَدِمَ مَكَّةَ فَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَقَامَ حَلَالًا (?) بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْهَا فِي عَامِهِ ذَلِكَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى مِيقَاتِ أَهْلِ نَاحِيَتِهِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَعَلَيْهِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ، وَذَلِكَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، يَذْبَحُهُ وَيُعْطِيهِ لِلْمَسَاكِينَ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ- عَلَى مَا يَأْتِي- وَلَيْسَ لَهُ صِيَامُ يَوْمِ النَّحْرِ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَاخْتُلِفَ فِي صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى مَا يَأْتِي. فَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي الْمُتْعَةِ، وَرَابِطُهَا ثَمَانِيَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ- أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. الثَّانِي- فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ. الثَّالِثُ- فِي عَامٍ وَاحِدٍ. الرَّابِعُ- فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. الْخَامِسُ- تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ. السَّادِسُ- أَلَّا يَمْزُجَهَا، بَلْ يَكُونُ إِحْرَامُ الْحَجِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ. السَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ. الثَّامِنُ- أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ. وَتَأَمَّلْ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِيمَا وَصَفْنَا مِنْ حُكْمِ التَّمَتُّعِ تَجِدْهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وُجُوهِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ: الْقِرَانُ، وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي إِحْرَامٍ وَاحِدٍ فَيُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ غَيْرهَا، يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا، فَإِذَا قَدِمَ مَكَّةَ طَافَ لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعَى سَعْيًا وَاحِدًا، عِنْدَ مَنْ رَأَى ذَلِكَ، وَهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع فأهللنا بعمرة، لحديث. وَفِيهِ: وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ

فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ يَوْمَ النَّفْرِ (?) وَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَحَاضَتْ: (يَسَعُكِ طَوَافُكِ لحجك وعمرتك) في رواية:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015