تفسير القرطبي (صفحة 797)

سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: نَزَلَتْ" وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ" وَلَمْ يَنْزِلْ" مِنَ الْفَجْرِ" وَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ، وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتَهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ" مِنَ الْفَجْرِ" فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ بَيَاضَ النَّهَارِ. وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، أَهُمَا الْخَيْطَانِ؟ قَالَ: (إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا (?) إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ- ثُمَّ قَالَ- لَا بَلْ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَسُمِّيَ الْفَجْرُ خَيْطًا لِأَنَّ مَا يَبْدُو مِنَ الْبَيَاضِ يُرَى مُمْتَدًّا كَالْخَيْطِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

الْخَيْطُ الَابْيَضُ ضَوْءُ الصُّبْحِ مُنْفَلِقٌ ... وَالْخَيْطُ الَاسْوَدُ جُنْحُ اللَّيْلِ مَكْتُومُ

وَالْخَيْطُ فِي كَلَامِهِمْ عِبَارَةٌ عَنِ اللَّوْنِ. وَالْفَجْرُ مَصْدَرُ فَجَّرْتُ الْمَاءَ أُفَجِّرُهُ فَجْرًا إِذَا جَرَى وَانْبَعَثَ، وَأَصْلُهُ الشَّقُّ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لِلطَّالِعِ مِنْ تَبَاشِيرِ ضِيَاءِ الشمس من مطلعها: فجرا لِانْبِعَاثِ ضَوْئِهِ، وَهُوَ أَوَّلُ بَيَاضِ النَّهَارِ الظَّاهِرِ الْمُسْتَطِيرِ فِي الْأُفُقِ الْمُنْتَشِرِ، تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الْخَيْطَ الأبيض، كما بينا. قال أبو دواد الْإِيَادِيُّ:

فَلَمَّا أَضَاءَتْ لَنَا سُدْفَةٌ (?) ... وَلَاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا

وَقَالَ آخَرُ:

قَدْ كَادَ يَبْدُو وَبَدَتْ تُبَاشِرُهُ ... وَسَدَفُ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ سَاتِرُهُ

وَقَدْ تُسَمِّيهِ أَيْضًا الصَّدِيعَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمُ: انْصَدَعَ الْفَجْرُ، قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبِي خَازِمٍ أَوْ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ:

تَرَى السِّرْحَانَ مُفْتَرِشًا يَدَيْهِ ... كَأَنَّ بَيَاضَ لَبَّتِهِ صَدِيعُ

وَشَبَّهَهُ الشَّمَّاخُ بِمَفْرِقِ الرَّأْسِ فَقَالَ:

إِذَا مَا اللَّيْلُ كَانَ الصُّبْحُ فيه ... أشق كمفرق الرأس الدهين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015