تفسير القرطبي (صفحة 77)

عنده كسور البناء بغير همزة. وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا قُطِعَتْ مِنَ الْقُرْآنِ على حد، من قول العرب للبقية: سؤر، وجاء أَسَآرِ النَّاسِ أَيْ بَقَايَاهُمْ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْأَصْلُ سُؤْرَةً بِالْهَمْزَةِ ثُمَّ خُفِّفَتْ فَأُبْدِلَتْ وَاوًا لانظمام مَا قَبْلَهَا. وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَمَامِهَا وَكَمَالِهَا مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ لِلنَّاقَةِ التَّامَّةِ: سُورَةٌ، وَجَمْعُ سُورَةٍ سُوَرٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ (?):

سُودُ الْمَحَاجِرِ لَا يَقْرَأْنَ بِالسُّوَرِ

وَيَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ عَلَى سُورَاتٍ وَسُوَرَاتٍ. وَأَمَّا الْآيَةُ فَهِيَ الْعَلَامَةُ: بمعنى أنها علامة لانقطاع الكلام قَبِلَهَا مِنَ الَّذِي بَعْدَهَا وَانْفِصَالِهِ، أَيْ هِيَ بَائِنَةٌ مِنْ أُخْتِهَا وَمُنْفَرِدَةٌ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ آيَةٌ، أَيْ عَلَامَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى" إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ (?) ". وَقَالَ النَّابِغَةُ:

تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا ... لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا الْعَامُ سَابِعُ

وَقِيلَ: سُمِّيَتْ آيَةٌ لِأَنَّهَا جَمَاعَةُ حُرُوفٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَطَائِفَةٌ مِنْهُ، كَمَا يُقَالُ: خَرَجَ الْقَوْمُ بِآيَاتِهِمْ أَيْ بِجَمَاعَتِهِمْ. قَالَ بُرْجُ بْنُ مُسْهِرٍ الطَّائِيُّ:

خَرَجْنَا مِنَ النَّقْبَيْنِ لَا حَيَّ مِثْلُنَا ... بِآيَاتِنَا نُزْجِي اللِّقَاحَ الْمَطَافِلَا

وَقِيلَ: سُمِّيَتْ آيَةً لِأَنَّهَا عَجَبٌ يَعْجَزُ الْبَشَرُ عَنِ التَّكَلُّمِ بِمِثْلِهَا. وَاخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي أَصْلِ آيَةٍ، فَقَالَ سِيبَوَيْهِ: أَيَيَةٌ عَلَى فَعَلَةٍ مِثْلَ أَكَمَةٍ وَشَجَرَةٍ، فَلَمَّا تَحَرَّكَتِ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا انْقَلَبَتْ أَلِفًا فَصَارَتْ آيَةً بِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا مَدَّةٌ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: أَصْلُهَا آيِيَةٌ عَلَى وَزْنِ فَاعِلَةٍ مِثْلَ آمِنَةٍ فَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ حُذِفَتْ لِالْتِبَاسِهَا بِالْجَمْعِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهَا أَيَّيْةٌ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْأُولَى فَقُلِبَتْ ألفا كراهة التشديد فَصَارَتْ آيَةً وَجَمْعُهَا آيٌ وَآيَاتٌ وَآيَاءٌ (?). وَأَنْشَدَ أبو زيد: لم يبق الدهر من آيائه غير أثافيه وأرمدائه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015