أنه هو الذي يعيذ منهم. إنما قَالَ: مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ لِأَنَّ فِي النَّاسِ مُلُوكًا يَذْكُرُ أَنَّهُ مَلِكُهُمْ. وَفِي النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ غَيْرَهُ، فَذَكَرَ أَنَّهُ إِلَهُهُمْ وَمَعْبُودُهُمْ، وَأَنَّهُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُسْتَعَاذَ بِهِ وَيُلْجَأَ إليه، دون الملوك والعظماء.
مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (?)
يَعْنِي: مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ. وَالْمَعْنَى: مِنْ شَرِّ ذِي الْوَسْوَاسِ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ: وَهُوَ (بِفَتْحِ الْوَاوِ) بِمَعْنَى الِاسْمِ، أَيِ الْمُوَسْوِسِ. وَ (بِكَسْرِ الْوَاوِ) الْمَصْدَرُ، يَعْنِي الْوَسْوَسَةَ. وَكَذَا الزَّلْزَالُ وَالزِّلْزَالُ. وَالْوَسْوَسَةُ: حَدِيثُ النَّفْسِ. يُقَالُ: وَسْوَسَتْ إِلَيْهِمْ نَفْسُهُ وَسْوَسَةً وَوِسْوَسَةً (بِكَسْرِ الْوَاوِ). وَيُقَالُ لِهَمْسِ الصَّائِدِ وَالْكِلَابِ وَأَصْوَاتِ الْحَلْيِ: وَسْوَاسٌ. قال ذُو الرُّمَّةِ:
فَبَاتَ يُشْئِزُهُ ثَأْدٌ وَيُسْهِرُهُ ... تَذَوُّبُ الرِّيحِ وَالْوَسْوَاسُ وَالْهِضَبُ «1»
وَقَالَ الْأَعْشَى:
تَسْمَعُ لِلْحَلْيِ وَسْوَاسًا إِذَا انْصَرَفَتْ ... كَمَا استعان بريخ عِشْرِقٌ زَجِلُ «2»
وَقِيلَ: إِنَّ الْوَسْوَاسَ الْخَنَّاسَ ابْنٌ لِإِبْلِيسَ، جَاءَ بِهِ إِلَى حَوَّاءَ، وَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهَا وَقَالَ: اكْفُلِيهِ. فَجَاءَ آدَمُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ «3»] فَقَالَ: مَا هَذَا [يَا حَوَّاءُ «4»]! قَالَتْ: جَاءَ عَدُوُّنَا بِهَذَا وَقَالَ لِي: اكْفُلِيهِ. فَقَالَ: أَلَمْ أقل لك لا تطيعيه في شي، هُوَ الَّذِي غَرَّنَا حَتَّى وَقَعْنَا فِي الْمَعْصِيَةِ؟ وَعَمَدَ إِلَى الْوَلَدِ فَقَطَعَهُ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ، وَعَلَّقَ كُلَّ رُبُعٍ عَلَى شَجَرَةٍ، غَيْظًا لَهُ، فَجَاءَ إِبْلِيسُ فَقَالَ: يَا حَوَّاءُ، أَيْنَ ابْنِي؟ فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا صَنَعَ بِهِ آدَمُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] فَقَالَ: يَا خَنَّاسُ، فَحَيِيَ فَأَجَابَهُ. فَجَاءَ بِهِ إِلَى حَوَّاءَ وَقَالَ: اكْفُلِيهِ، فَجَاءَ آدَمُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] فحرقه بالنار، ودر رَمَادَهُ فِي الْبَحْرِ، فَجَاءَ إِبْلِيسُ [عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ] فَقَالَ: يَا حَوَّاءُ، أَيْنَ ابْنِي؟ فَأَخْبَرَتْهُ بِفِعْلِ آدم إياه، فذهب