فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (?)
أَيْ جَعَلَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْفِيلِ كَوَرَقِ الزَّرْعِ إِذَا أَكَلَتْهُ الدَّوَابُّ، فَرَمَتْ بِهِ مِنْ أَسْفَلَ. شَبَّهَ تَقَطُّعَ أَوْصَالِهِمْ بِتَفَرُّقِ أَجْزَائِهِ. رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الْعَصْفِ فِي سُورَةِ" الرَّحْمَنِ" «1». وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَرَقُ الزَّرْعِ قَوْلُ عَلْقَمَةَ:
تَسْقِي مَذَانِبَ قَدْ مَالَتْ عَصِيفَتُهَا ... حَدُورُهَا مِنْ أَتِيِّ الْمَاءِ مَطْمُومُ «2»
وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:
وَمَسَّهُمْ مَا مَسَّ أَصْحَابَ الْفِيلْ ... تَرْمِيهِمْ حِجَارَةٌ مِنْ سِجِّيلْ
وَلَعِبَتْ طَيْرٌ بِهِمْ أَبَابِيلْ ... فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُولْ
الْعَصْفُ: جَمْعٌ، وَاحِدَتُهُ عَصْفَةٌ وَعُصَافَةٌ، وَعَصِيفَةٌ. وَأَدْخَلَ الْكَافَ فِي كَعَصْفٍ لِلتَّشْبِيهِ مَعَ مِثْلِ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «3» [الشورى: 11]. وَمَعْنَى مَأْكُولٍ مَأْكُولٌ حَبُّهُ. كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ حَسَنٌ، أَيْ حَسَنٌ وَجْهُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قِشْرُ الْبُرِّ، يَعْنِي الْغِلَافَ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ حَبَّةُ الْقَمْحِ. وَيُرْوَى أَنَّ الْحَجَرَ كَانَ يَقَعُ عَلَى أَحَدِهِمْ فَيُخْرِجُ كُلَّ مَا فِي جَوْفِهِ، فَيَبْقَى كَقِشْرِ الْحِنْطَةِ إِذَا خَرَجَتْ مِنْهُ الْحَبَّةُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَمَّا رَمَتِ الطَّيْرُ بِالْحِجَارَةِ، بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا فَضَرَبَتِ الْحِجَارَةَ فَزَادَتْهَا شِدَّةً، فَكَانَتْ لَا تَقَعُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا هَلَكَ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلٌ «4» مِنْ كِنْدَةَ، فَقَالَ:
فَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ وَلَمْ تَرِيهِ «5» ... لَدَى جَنْبِ المغمس ما لقينا