تفسير القرطبي (صفحة 7386)

إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَيِّدَ قُرَيْشٍ، وَصَاحِبَ عَيْنِ مَكَّةَ، وَيُطْعِمُ النَّاسَ بِالسَّهْلِ، وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَقَدْ أَصَابَ لَهُ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ، فَاسْتَأْذِنْ لَهُ عَلَيْهِ، وَانْفَعْهُ عِنْدَهُ بِمَا اسْتَطَعْتَ، فَقَالَ: أَفْعَلُ. فَكَلَّمَ أُنَيْسٌ أَبْرَهَةَ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ بِبَابِكَ، يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ، وَهُوَ صَاحِبُ عَيْنِ مَكَّةَ، يُطْعِمُ النَّاسَ بِالسَّهْلِ، وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَأْذَنْ لَهُ عَلَيْكَ، فَيُكَلِّمَكَ فِي حَاجَتِهِ. قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ أَبْرَهَةُ. وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَوْسَمَ النَّاسِ، وَأَعْظَمَهُمْ وَأَجْمَلَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَجَلَّهُ، وَأَعْظَمَهُ عَنْ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ، فَنَزَلَ أَبْرَهَةُ عَنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطِهِ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ إِلَى جَنْبِهِ. ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: حَاجَتُكَ؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ التُّرْجُمَانُ، فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي. فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ أَبْرَهَةُ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ لَقَدْ كُنْتُ أَعْجَبْتنِي حِينَ رَأَيْتُكَ، ثُمَّ قَدْ زَهِدْتُ فِيكَ حِينَ كَلَّمْتَنِي، أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا لَكَ، وَتَتْرُكُ بَيْتًا هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ، قَدْ جِئْتُ لِهَدْمِهِ؟ لَا تُكَلِّمُنِي فِيهِ! قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنِّي أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ، وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ. قَالَ: مَا كَانَ لِيَمْتَنِعَ مِنِّي! قَالَ أَنْتَ وَذَاكَ. فَرَدَّ عَلَيْهِ إِبِلَهُ. وَانْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ وَالتَّحَرُّزِ فِي شَعَفِ (?) الْجِبَالِ وَالشِّعَابِ، تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مَعَرَّةَ (?) الْجَيْشِ. ثُمَّ قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَقَامَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يَدْعُونَ اللَّهَ وَيَسْتَنْصِرُونَهُ عَلَى أَبْرَهَةَ وَجُنْدِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ:

لَا هُمَّ إِنَّ الْعَبْدَ يَمْ ... - نَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَكَ (?)

لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ... وَمِحَالُهُمْ عدوا (?) محالك

إن يدخلوا البلد الحرا ... م فأمر ما بدا لك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015