أَرَادَ: ضَنُّوا وَبَخِلُوا، فَأَظْهَرَ التَّضْعِيفَ، لَكِنَّ الشِّعْرَ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: مَنْ خَفَّفَ (وَعَدَّدَهُ) فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَالِ، أَيْ وَجَمَعَ عَدَدَهُ فَلَا يَكُونُ فِعْلًا عَلَى إِظْهَارِ التَّضْعِيفِ، لِأَنَّ ذلك لا يستعمل إلا في الشعر.
يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَحْسَبُ) أَيْ يَظُنُّ (أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) أَيْ يُبْقِيهِ حَيًّا لَا يَمُوتُ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَيْ يَزِيدُ فِي عُمْرِهِ. وَقِيلَ: أَحْيَاهُ فِيمَا مَضَى، وَهُوَ مَاضٍ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ. يُقَالُ: هَلَكَ وَاللَّهِ فُلَانٌ وَدَخَلَ النَّارَ، أَيْ يَدْخُلُ. (كَلَّا) رَدٌّ لِمَا تَوَهَّمَهُ الْكَافِرُ، أَيْ لَا يَخْلُدُ وَلَا يَبْقَى لَهُ مَالٌ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي كَلَّا مُسْتَوْفًى «1». وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ: إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ كَلَّا فَإِنَّهُ يَقُولُ كَذَبْتَ. (لَيُنْبَذَنَّ) أَيْ لَيُطْرَحَنَّ وَلَيُلْقَيَنَّ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَمُجَاهِدٍ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: لَيُنْبَذَانِ بِالتَّثْنِيَةِ، أَيْ هُوَ وَمَالُهُ. وعن الحسن أيضا" لينبدنه" عَلَى مَعْنَى لَيُنْبَذَنَّ مَالُهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا بِالنُّونِ" لَنَنْبِذَنَّهُ" عَلَى إِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ يَنْبِذُ صَاحِبَ الْمَالِ. وَعَنْهُ أَيْضًا (لَيُنْبَذُنَّ) بِضَمِّ الذَّالِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْهُمَزَةُ وَاللُّمَزَةُ وَالْمَالُ وَجَامِعُهُ. (فِي الْحُطَمَةِ) وَهِيَ نَارُ اللَّهِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكْسِرُ كُلَّ مَا يُلْقَى فِيهَا وَتُحَطِّمُهُ وَتُهَشِّمُهُ. قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنَّا حَطَمْنَا بِالْقَضِيبِ مُصْعَبَا ... يَوْمَ كَسَرْنَا أَنْفَهُ لِيَغْضَبَا
وَهِيَ الطَّبَقَةُ السَّادِسَةُ مِنْ طَبَقَاتِ جَهَنَّمَ. حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ. وَحَكَى الْقُشَيْرِيُّ عَنْهُ: الْحُطَمَةِ الدَّرَكَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ دَرَكِ النَّارِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَهِيَ الدَّرَكُ الرَّابِعُ. ابْنُ زَيْدٍ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ. (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) عَلَى التَّعْظِيمِ لشأنها، والتفخيم لأمرها.