تفسير القرطبي (صفحة 7364)

[تفسير سورة التكاثر]

تَفْسِيرُ سُورَةِ" التَّكَاثُرِ" وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ. وَهِيَ ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة التكاثر (102): الآيات 1 الى 2]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (?) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2)

فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تعالى (ألهاكم التكاثر) أَلْهاكُمُ شغلكم. قال:

فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمِ مُغْيَلِ «1»

أَيْ شَغَلَكُمُ الْمُبَاهَاةُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْعَدَدِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، حَتَّى مِتُّمْ وَدُفِنْتُمْ فِي الْمَقَابِرِ. وَقِيلَ أَلْهاكُمُ: أَنْسَاكُمْ. التَّكاثُرُ أَيْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيِ التَّفَاخُرُ بِالْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَيْ أَلْهَاكُمُ التَّشَاغُلُ بِالْمَعَاشِ وَالتِّجَارَةِ. يُقَالُ: لَهِيتُ عَنْ كَذَا (بِالْكَسْرِ) أَلْهَى لُهِيًّا وَلِهْيَانًا: إِذَا سَلَوْتُ عَنْهُ، وَتَرَكْتُ ذِكْرَهُ، وَأَضْرَبْتُ عَنْهُ. وَأَلْهَاهُ: أَيْ شَغَلَهُ. وَلَهَّاهُ بِهِ تَلْهِيَةً أَيْ عَلَّلَهُ. وَالتَّكَاثُرُ: الْمُكَاثَرَةُ. قَالَ مُقَاتِلٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، وَبَنُو فُلَانٍ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، أَلْهَاهُمْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتُوا ضُلَّالًا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي فَخِذٍ مِنْ الْأَنْصَارِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي حَيَّيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ: بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنِي سَهْمٍ، تَعَادُّوا وَتَكَاثَرُوا بِالسَّادَةِ وَالْأَشْرَافِ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ كُلُّ حَيٍّ مِنْهُمْ نَحْنُ أَكْثَرُ سَيِّدًا، وَأَعَزُّ عَزِيزًا، وَأَعْظَمُ نَفَرًا، وَأَكْثَرُ عَائِذًا، فَكَثَرَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ سَهْمًا. ثُمَّ تَكَاثَرُوا بِالْأَمْوَاتِ، فَكَثَرَتْهُمْ سَهْمٌ، فَنَزَلَتْ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ بأحيائكم فلم ترضوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015