أَطْفَأَهَا، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا أَحَدٌ. فَشَبَّهَتِ العرب هذه النار بناره، لأنه لا ينتقع بِهَا. وَكَذَلِكَ إِذَا وَقَعَ السَّيْفُ عَلَى الْبَيْضَةِ فَاقْتَدَحَتْ نَارًا، فَكَذَلِكَ يُسَمُّونَهَا. قَالَ النَّابِغَةُ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
تَقُدُّ السَّلُوقِيَّ الْمُضَاعَفَ نَسْجُهُ ... وَتُوقِدُ بِالصِّفَاحِ نَارَ الحباحب «1»
فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (?)
الْخَيْلُ تُغِيرُ عَلَى الْعَدُوِّ عِنْدَ الصُّبْحِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا الْغَارَةَ سَرَوْا لَيْلًا، وَيَأْتُونَ الْعَدُوَّ صُبْحًا، لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ غَفْلَةِ النَّاسِ. وَمِنْهُ قوله تعالى: فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ «2» [الصافات: 177]. وَقِيلَ: لِعِزِّهِمْ أَغَارُوا نَهَارًا، وصُبْحاً عَلَى هَذَا، أَيْ عَلَانِيَةً، تَشْبِيهًا بِظُهُورِ الصُّبْحِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هِيَ الْإِبِلُ تُدْفَعُ بِرُكْبَانِهَا يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ مِنًى إِلَى جَمْعٍ. وَالسُّنَّةُ أَلَّا تُدْفَعَ حَتَّى تُصْبِحَ، وَقَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ. وَالْإِغَارَةُ: سُرْعَةُ السَّيْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَشْرِقْ ثبير «3»، كيما نغير.
[سورة العاديات (100): آية 4]
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (?)
أَيْ غُبَارًا، يَعْنِي الْخَيْلُ تُثِيرُ الْغُبَارَ بِشِدَّةِ الْعَدْو فِي الْمَكَانِ الَّذِي أغارت به. قال عبد الله ابن رَوَاحَةَ:
عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ «4»
وَالْكِنَايَةُ فِي بِهِ تَرْجِعُ إِلَى الْمَكَانِ أَوْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الْإِغَارَةُ. وَإِذَا عُلِمَ الْمَعْنَى جَازَ أَنْ يُكَنَّى عَمَّا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ بالتصريح، كما قال حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ «5» [ص: 32]. وقيل: فَأَثَرْنَ بِهِ،