الثَّانِيَةُ- صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ- فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي (. وَثَبَتَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ:) أَوَّلُ ما خلق الله: القلم، فقال له اكتب، فَكَتَبَ مَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ عِنْدَهُ فِي الذِّكْرِ فَوْقَ عَرْشِهِ (. وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: [أَنَّهُ (?)] سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:) إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا، وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعَظْمَهَا، ثُمَّ يَقُولُ، يَا رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَجَلُهُ، فَيَقُولُ ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول يا رب رزقه، ليقضي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ (?) (الانفطار: 10). قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَالْأَقْلَامُ فِي الْأَصْلِ ثَلَاثَةٌ: الْقَلَمُ الْأَوَّلُ: الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ. وَالْقَلَمُ الثَّانِي: أَقْلَامُ الْمَلَائِكَةِ، جَعَلَهَا اللَّهُ بِأَيْدِيهِمْ يَكْتُبُونَ بِهَا الْمَقَادِيرَ وَالْكَوَائِنَ وَالْأَعْمَالَ. وَالْقَلَمُ الثَّالِثُ: أَقْلَامُ النَّاسِ، جَعَلَهَا اللَّهُ بِأَيْدِيهِمْ، يَكْتُبُونَ بِهَا كَلَامَهُمْ، وَيَصِلُونَ بِهَا مَآرِبَهُمْ. وَفِي الْكِتَابَةِ فَضَائِلٌ جَمَّةٌ. وَالْكِتَابَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْبَيَانِ، وَالْبَيَانُ مِمَّا اخْتُصَّ بِهِ الْآدَمِيُّ. الثَّالِثَةُ- قَالَ عُلَمَاؤُنَا: كَانَتِ الْعَرَبُ أَقَلَّ الْخَلْقِ مَعْرِفَةً بِالْكِتَابِ، وَأَقَلُّ الْعَرَبِ مَعْرِفَةً بِهِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صُرِفَ عَنْ عِلْمِهِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَثْبَتَ لِمُعْجِزَتِهِ، وَأَقْوَى فِي حُجَّتِهِ، وَقَدْ مَضَى هَذَا مُبَيَّنًا فِي سُورَةِ" الْعَنْكَبُوتِ" (?). وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَا تُسْكِنُوا نِسَاءَكُمُ الْغُرَفَ، وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَةِ [. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَإِنَّمَا حَذَّرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي إِسْكَانِهِنَّ الْغُرَفَ تَطَلُّعًا إِلَى الرَّجُلِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَحْصِينٌ لَهُنَّ وَلَا تَسَتُّرَ. وَذَلِكَ أَنَّهُنَّ لَا يَمْلِكْنَ أَنْفُسَهُنَّ حَتَّى يُشْرِفْنَ عَلَى الرَّجُلِ، فَتَحْدُثُ الْفِتْنَةُ وَالْبَلَاءُ، فَحَذَّرَهُمْ أَنْ يجعلوا لهن غرفا ذريعة إلى الفتنة.