تفسير القرطبي (صفحة 7312)

وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنْهُ قَالَ: إِذَا كَانَ الْعَبْدُ فِي شَبَابِهِ كَثِيرَ الصَّلَاةِ كَثِيرَ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ، ثُمَّ ضَعُفَ عَمَّا كَانَ يَعْمَلُ فِي شَبَابِهِ، أَجْرَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي شَبَابِهِ. وَفِي حَدِيثٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِذَا سَافَرَ الْعَبْدُ أَوْ مَرِضَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا [. وَقِيلَ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُفُ وَلَا يَهْرَمُ «1»، وَلَا يَذْهَبُ عَقْلُ مَنْ كَانَ عَالِمًا عَامِلًا بِهِ. وَعَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: [طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمُرهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ [. وَرُوِيَ: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا مَاتَ أَمَرَ اللَّهُ مَلَكَيْهِ «2» أَنْ يَتَعَبَّدَا عَلَى قَبْرِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُكْتَبُ لَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) قَالَ الضَّحَّاكُ: أَجْرٌ بِغَيْرِ عمل. وقيل مقطوع.

[سورة التين (95): آية 7]

فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)

قِيلَ: الْخِطَابُ لِلْكَافِرِ، تَوْبِيخًا وَإِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ. أَيْ إِذَا عَرَفْتَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَكَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَأَنَّهُ يَرُدُّكَ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَيَنْقُلُكَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى أَنْ تُكَذِّبَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ؟ وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيِ اسْتَيْقِنْ مَعَ مَا جَاءَكَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ. رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا وَالْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى فَمَنْ يُكَذِّبُكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ بِالدِّينِ. وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ. كَأَنَّهُ قَالَ: فَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، أَيْ عَلَى تَكْذِيبِكَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، بَعْدَ مَا ظَهَرَ مِنْ قُدْرَتِنَا عَلَى خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَالدِّينِ وَالْجَزَاءِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

دِنَّا تَمِيمًا كَمَا كَانَتْ أَوَائِلُنَا ... دانت أوائلهم في «3» سالف الزمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015