تفسير القرطبي (صفحة 7301)

الْآخَرُ بِمِنْقَارِهِ فِيهِ فَغَسَلَهُ (. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: [جَاءَنِي مَلَكٌ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِي، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عُذْرَةً «1»، وَقَالَ: قَلْبُكَ وَكِيعٌ، وَعَيْنَاكَ بَصِيرَتَانِ، وَأُذُنَاكَ سَمِيعَتَانِ، أَنْتَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، لِسَانكَ صَادِقٌ، وَنَفْسُكَ مُطْمَئِنَّةٌ، وَخُلُقُكَ قُثَمٌ، وَأَنْتَ قَيِّمٌ [. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: قَوْلُهُ] وَكِيعٌ أَيْ يَحْفَظُ مَا يُوضَعُ فِيهِ. يُقَالُ: سِقَاءٌ وَكِيعٌ، أَيْ قَوِيٌّ يَحْفَظُ مَا يُوضَعُ فِيهِ. وَاسْتَوْكَعَتْ مَعِدَتُهُ، أَيْ قَوِيَتْ وَقَوْلُهُ: [قُثَمٌ [أَيْ جَامِعٌ. يُقَالُ: رَجُلٌ قَثُومٌ لِلْخَيْرِ، أَيْ جَامِعٌ لَهُ. وَمَعْنَى أَلَمْ نَشْرَحْ قَدْ شَرَحْنَا، الدَّلِيلُ، عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي النَّسَقِ عَلَيْهِ: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ، فَهَذَا عَطْفٌ عَلَى التَّأْوِيلِ، لَا عَلَى التَّنْزِيلِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى التَّنْزِيلِ لَقَالَ: وَنَضَعْ عَنْكَ وِزْرَكَ. فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى أَلَمْ نَشْرَحْ: قد شرحنا. ولَمْ جَحْدٌ، وَفِي الِاسْتِفْهَامِ طَرَفٌ مِنَ الْجَحْدِ، وَإِذَا وَقَعَ جَحْدٌ، رَجَعَ إِلَى التَّحْقِيقِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ «2» [التين: 8]. وَمَعْنَاهُ: اللَّهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ. وَكَذَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ «3» [الزمر: 36]. ومثله قول جرير يمدح عبد الملك ابن مَرْوَانَ:

أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ... وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بطون راح

المعنى: أنتم كذا.

[سورة الشرح (94): الآيات 2 الى 3]

وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (?) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (?)

قوله تعالى: (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) أَيْ حَطَطْنَا عَنْكَ ذَنْبَكَ. وَقَرَأَ أَنَسُ" وَحَلَلْنَا، وَحَطَطْنَا". وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ:" وَحَلَلْنَا عَنْكَ وَقْرَكَ". هَذِهِ الْآيَةُ مِثْلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «4» [الفتح: 2]. قِيلَ: الْجَمِيعُ كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ. وَالْوِزْرُ: الذَّنْبُ، أَيْ وَضَعْنَا عَنْكَ مَا كُنْتَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَذَاهِبِ قَوْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَبَدَ صَنَمًا وَلَا وَثَنًا. قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ: كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُنُوبٌ أَثْقَلَتْهُ، فَغَفَرَهَا اللَّهُ لَهُ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ أَيْ أَثْقَلَهُ حَتَّى سَمِعَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015