تفسير القرطبي (صفحة 7295)

لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا أَيْ لَا أَحَدَ عَلَى دِينِكَ، وَأَنْتَ وَحِيدٌ لَيْسَ مَعَكَ أَحَدٌ، فَهَدَيْتُ بِكَ الْخَلْقَ إِلَيَّ. قُلْتُ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا حِسَانٌ، ثُمَّ مِنْهَا مَا هُوَ مَعْنَوِيٌّ، وَمِنْهَا مَا هُوَ حِسِّيٌّ. وَالْقَوْلُ الْأَخِيرُ أَعْجَبُ إِلَيَّ، لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْأَقْوَالَ الْمَعْنَوِيَّةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ كَانَ عَلَى جُمْلَةِ مَا كَانَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، لَا يُظْهِرُ لَهُمْ خِلَافًا عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ، فَأَمَّا الشِّرْكُ فَلَا يُظَنُّ بِهِ، بَلْ كَانَ عَلَى مَرَاسِمِ الْقَوْمِ فِي الظَّاهِرِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ، أَيْ وَجَدَكَ كَافِرًا وَالْقَوْمُ كُفَّارٌ فَهَدَاكَ «1»

. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْقَوْلُ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ" الشُّورَى" «2». وَقِيلَ: وَجَدَكَ مَغْمُورًا بِأَهْلِ الشِّرْكِ، فَمَيَّزَكَ عَنْهُمْ. يُقَالُ: ضَلَّ الماء في اللبن، ومنه أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ «3» [السجدة: 10] أَيْ لَحِقْنَا بِالتُّرَابِ عِنْدَ الدَّفْنِ، حَتَّى كَأَنَّا لَا نَتَمَيَّزُ مِنْ جُمْلَتِهِ. وَفِي قِرَاءَةِ الْحَسَنِ وَوَجَدَكَ ضَالٌّ فَهَدَى أَيْ وَجَدَكَ الضَّالُّ فَاهْتَدَى بِكَ، وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا لَا يَهْتَدِي إِلَيْكَ قَوْمُكَ، وَلَا يَعْرِفُونَ قَدْرَكَ، فَهَدَى الْمُسْلِمِينَ إِلَيْكَ، حَتَّى آمَنُوا بِكَ.

[سورة الضحى (93): آية 8]

وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (8)

أَيْ فَقِيرًا لَا مَالَ لَكَ. فَأَغْنى أَيْ فَأَغْنَاكَ بِخَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، يُقَالُ: عَالَ الرَّجُلُ يَعِيلُ عَيْلَةً: إِذَا افْتَقَرَ. وَقَالَ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ:

فَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ ... وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ

أَيْ يَفْتَقِرُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فَرَضَّاكَ بِمَا أَعْطَاكَ مِنَ الرِّزْقِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَنَّعَكَ بِالرِّزْقِ. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: وَوَجَدَكَ فَقِيرَ النَّفْسِ، فَأَغْنَى قَلْبَكَ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: وَجَدَكَ ذَا عِيَالٍ، دَلِيلُهُ فَأَغْنى. وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:

اللَّهُ أَنْزَلَ فِي الكتاب فريضة ... لابن السبيل وللفقير العائل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015