تفسير القرطبي (صفحة 7293)

قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي سُورَةِ" الشُّورَى" (?). وَقَالَ قَوْمٌ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا أَيْ فِي قَوْمٍ ضُلَّالٍ، فَهَدَاهُمُ اللَّهُ بِكَ. هَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ وَالْفَرَّاءِ. وَعَنِ السُّدِّيِّ نَحْوُهُ، أَيْ وَوَجَدَ قَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ، فَهَدَاكَ إِلَى إِرْشَادِهِمْ. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا عَنِ الْهِجْرَةِ، فَهَدَاكَ إِلَيْهَا. وَقِيلَ: ضَالًّا أَيْ نَاسِيًا شَأْنَ الِاسْتِثْنَاءِ حِينَ سُئِلْتَ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَالرُّوحِ- فَأَذْكَرَكَ، كما قال تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما (?) [البقرة: 282]. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ طَالِبًا لِلْقِبْلَةِ فَهَدَاكَ إِلَيْهَا، بَيَانُهُ: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ (?) ... [البقرة: 144] الْآيَةَ. وَيَكُونُ الضَّلَالُ بِمَعْنَى الطَّلَبِ، لِأَنَّ الضَّالَّ طَالِبٌ. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ مُتَحَيِّرًا عَنْ بَيَانِ مَا نَزَلَ عَلَيْكَ، فَهَدَاكَ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ الضَّلَالُ بِمَعْنَى التَّحَيُّرِ، لِأَنَّ الضَّالَّ مُتَحَيِّرٌ. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ ضَائِعًا فِي قَوْمِكَ، فَهَدَاكَ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ الضَّلَالُ بِمَعْنَى الضَّيَاعِ. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ مُحِبًّا لِلْهِدَايَةِ، فَهَدَاكَ إِلَيْهَا، وَيَكُونُ الضَّلَالُ بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (?) [يوسف: 95] أَيْ فِي مَحَبَّتِكَ. قَالَ الشَّاعِرُ:

هَذَا الضَّلَالُ أَشَابَ مِنِّي الْمَفْرِقَا ... وَالْعَارِضَيْنِ وَلَمْ أَكُنْ مُتَحَقِّقَا (?)

عَجَبًا لِعَزَّةَ فِي اخْتِيَارِ قَطِيعَتِي ... بَعْدَ الضَّلَالِ فَحَبْلُهَا قَدْ أَخْلَقَا

وَقِيلَ:" ضَالًّا" فِي شِعَابِ مَكَّةَ، فَهَدَاكَ وَرَدَّكَ إِلَى جَدِّكَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيرٌ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، فَرَآهُ أَبُو جَهْلٍ مُنْصَرِفًا عَنْ أَغْنَامِهِ، فَرَدَّهُ إِلَى جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، حِينَ رَدَّهُ إِلَى جَدِّهِ عَلَى يَدَيْ عَدُوِّهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ إِبْلِيسُ بِزِمَامِ النَّاقَةِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ، فَعَدَلَ بِهَا عَنِ الطَّرِيقِ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَنَفَخَ إِبْلِيسَ نَفْخَةً وَقَعَ مِنْهَا إِلَى أَرْضِ الْهِنْدِ، وَرَدَّهُ إِلَى الْقَافِلَةِ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّ حَلِيمَةَ لَمَّا قَضَتْ حَقَّ الرَّضَاعِ، جَاءَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَرُدَّهُ على عبد المطلب،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015