تفسير القرطبي (صفحة 7282)

معناه التوبيخ، أي أي شي يُغْنِي عَنْهُ إِذَا هَلَكَ وَوَقَعَ فِي جَهَنَّمَ! أَيْ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ طَرِيقَ الْهُدَى مِنْ طَرِيقِ الضَّلَالَةِ. فَالْهُدَى: بِمَعْنَى بَيَانِ الْأَحْكَامِ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ. أَيْ عَلَى اللَّهِ الْبَيَانُ، بَيَانُ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَطَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَنْ سَلَكَ الْهُدَى فَعَلَى اللَّهِ سَبِيلُهُ، لقوله: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ «1» [النحل: 9] يَقُولُ: مَنْ أَرَادَ اللَّهَ فَهُوَ عَلَى السَّبِيلِ الْقَاصِدِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَالْإِضْلَالَ، فترك الإضلال، كقوله: بِيَدِكَ الْخَيْرُ»

[آل عمران: 26]، وبِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ «3» [يس: 83]. وكما قال: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ «4» [النحل: 81] وَهِيَ تَقِي الْبَرْدَ، عَنِ الْفَرَّاءِ أَيْضًا. وَقِيلَ: أَيْ إِنَّ عَلَيْنَا ثَوَابَ هُدَاهُ الَّذِي هَدَيْنَاهُ. (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) لَلْآخِرَةَ الْجَنَّةُ. وَالْأُولى الدُّنْيَا. وَكَذَا رَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ لِلَّهِ تَعَالَى. وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ «5» [النساء: 134] فَمَنْ طَلَبَهُمَا مِنْ غَيْرِ مَالِكِهِمَا فَقَدْ أَخْطَأَ الطريق.

[سورة الليل (92): الآيات 14 الى 16]

فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَنْذَرْتُكُمْ) أَيْ حَذَّرْتُكُمْ وَخَوَّفْتُكُمْ. (نَارًا تَلَظَّى) أَيْ تُلْهَبُ وَتَتَوَقَّدُ. وَأَصْلُهُ تَتَلَظَّى. وَهِيَ قِرَاءَةُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ. (لَا يَصْلاها) أَيْ لَا يَجِدُ صَلَاهَا وَهُوَ حَرُّهَا. (إِلَّا الْأَشْقَى) أَيِ الشَّقِيُّ. الَّذِي كَذَّبَ بِنَبِيِ الله محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَتَوَلَّى أَيْ أَعْرَضَ عَنِ الْإِيمَانِ. وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُلٌّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَاهَا. قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَنْ يَأْبَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى. وَقَالَ مَالِكٌ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ المغرب، فقرأ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015