تفسير القرطبي (صفحة 7232)

دَرُّهُ. وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ: اخْرُجُوا بِنَا إِلَى الْكُنَاسَةِ «1» حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَالْإِبِلُ: لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْجُمُوعِ الَّتِي لَا وَاحِدَ لها من لفظا، إِذَا كَانَتْ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّينَ، فَالتَّأْنِيثُ لَهَا لَازِمٌ، وَإِذَا صَغَّرْتَهَا دَخَلَتْهَا الْهَاءُ، فَقُلْتُ: أُبَيْلَةٌ وَغُنَيْمَةٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْإِبِلِ: إِبْلٌ، بِسُكُونِ الباء للتخفيف، والجمع: آبال.

[سورة الغاشية (88): الآيات 18 الى 20]

وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) أَيْ رُفِعَتْ عَنِ الْأَرْضِ بِلَا عَمَدٍ. وَقِيلَ: رُفِعَتْ، فَلَا يَنَالُهَا شي. (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) أَيْ كَيْفَ نُصِبَتْ عَلَى الْأَرْضِ، بِحَيْثُ لَا تَزُولُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ لَمَّا دُحِيَتْ مَادَتْ، فَأَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ. كَمَا قَالَ: وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ «2» [الأنبياء: 31]. (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) أَيْ بُسِطَتْ وَمُدَّتْ. وَقَالَ أَنَسٌ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، فقرأ (كيف خلقت) و (رفعت) و (نصبت) و (سطحت)، بِضَمِّ التَّاءَاتِ، أَضَافَ الضَّمِيرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَبِهِ كَانَ يَقْرَأُ مُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْقَعِ وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى خَلَقْتُهَا. وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو حَيْوَةَ وَأَبُو رَجَاءٍ: (سُطِّحَتْ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ. وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْجَمَاعَةُ، إِلَّا أَنَّهُمْ خَفَّفُوا الطَّاءَ. وَقَدَّمَ الْإِبِلَ فِي الذِّكْرِ، وَلَوْ قَدَّمَ غَيْرَهَا لَجَازَ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُطْلَبُ فِيهِ نَوْعُ حِكْمَةٍ. وَقَدْ قِيلَ: هُوَ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ فِي حَقِّ الْعَرَبِ، لِكَثْرَتِهَا عِنْدَهُمْ، وَهُمْ مِنْ أَعْرِفِ النَّاسِ بِهَا. وَأَيْضًا: مَرَافِقُ الْإِبِلِ أَكْثَرُ مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَوَانَاتِ الْأُخَرِ، فَهِيَ مَأْكُولَةٌ، وَلَبَنُهَا مَشْرُوبٌ، وَتَصْلُحُ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ، وَقَطْعِ الْمَسَافَاتِ الْبَعِيدَةِ عَلَيْهَا، وَالصَّبْرِ عَلَى الْعَطَشِ، وَقِلَّةِ الْعَلَفِ، وَكَثْرَةِ الْحَمْلِ، وَهِيَ مُعْظَمُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ. وَكَانُوا يَسِيرُونَ عَلَى الْإِبِلِ مُنْفَرِدِينَ مُسْتَوْحِشِينَ عَنِ النَّاسِ، وَمَنْ هَذَا حاله تفكر فيما يحضره، فقد ينظر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015