تفسير القرطبي (صفحة 7228)

أَمْشَاهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ [. فَلَا يَتَحَيَّرُ فِي مِثْلِ هَذَا إلا ضعيف القلب. أو ليس قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً «1» غَيْرَها [النساء: 56]، وقال: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ «2» [إبراهيم: 50]، وقال: إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا «3» [المزمل: 12] أَيْ قُيُودًا. وَجَحِيماً (12) وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ (13) قِيلَ: ذَا شَوْكٍ. فَإِنَّمَا يَتَلَوَّنُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ بِهَذِهِ الأشياء.

[سورة الغاشية (88): آية 7]

لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)

يَعْنِي الضَّرِيعَ لَا يَسْمَنُ آكِلُهُ. وَكَيْفَ يَسْمَنُ مَنْ يَأْكُلُ الشَّوْكَ! قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ إِبِلَنَا لَتَسْمَنُ بِالضَّرِيعِ، فَنَزَلَتْ: لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ. وَكَذَبُوا، فَإِنَّ الْإِبِلَ إِنَّمَا تَرْعَاهُ رَطْبًا، فَإِذَا يَبِسَ لَمْ تَأْكُلْهُ. وَقِيلَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ فَظَنُّوهُ كَغَيْرِهِ مِنَ النَّبْتِ النَّافِعِ، لِأَنَّ الْمُضَارَعَةَ الْمُشَابَهَةُ. فَوَجَدُوهُ لَا يُسْمِنُ «4» وَلَا يُغْنِي مِنْ جوع.

[سورة الغاشية (88): الآيات 8 الى 10]

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (10)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) أَيْ ذَاتُ نِعْمَةٍ. وَهِيَ وُجُوهُ الْمُؤْمِنِينَ، نِعْمَتْ بِمَا عَايَنَتْ مِنْ عَاقِبَةِ أَمْرِهَا وَعَمَلِهَا الصَّالِحِ. لِسَعْيِها أَيْ لِعَمَلِهَا الَّذِي عَمِلَتْهُ فِي الدُّنْيَا. راضِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ حِينَ أُعْطِيَتِ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهَا. وَمَجَازُهُ: لِثَوَابِ سَعْيِهَا رَاضِيَةٌ. وَفِيهَا وَاوٌ مُضْمَرَةٌ. الْمَعْنَى: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ، لِلْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَالْوُجُوهُ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَنْفُسِ. (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) أي مرتفعة، لأنها فوق السموات حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: عَالِيَةُ الْقَدْرِ، لِأَنَّ فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ. وَهُمْ فيها خالدون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015