تفسير القرطبي (صفحة 7211)

وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ فَإِذَا مَاتَ زَارَهُ مِيكَائِيلُ كُلَّ يَوْمٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ حَمَلَهُ عَلَى جَنَاحِهِ، فَأَوْقَفَهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ شَفِّعْنِي فِيهِ، فَيَقُولُ قَدْ شَفَّعْتُكَ فِيهِ، فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ (. وَقَالَ الْحَسَنُ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى أَيْ صَلِّ لِرَبِّكَ الأعلى. وقيل: أَيْ صَلِّ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ، لَا كَمَا يُصَلِّي الْمُشْرِكُونَ بِالْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ «1». وَقِيلَ: ارْفَعْ صَوْتَكَ بِذِكْرِ رَبِّكَ. قَالَ جَرِيرٍ:

قَبَّحَ الْإِلَهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ كُلَّمَا ... سَبَّحَ الحجيج وكبروا تكبيرا

[سورة الأعلى (87): الآيات 2 الى 5]

الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (?) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (?) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (?) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ فِي" الِانْفِطَارِ" وَغَيْرِهَا «2». أَيْ سَوَّى مَا خَلَقَ، فَلَمْ يَكُنْ فِي خَلْقِهِ تَثْبِيجٌ «3». وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ عَدَّلَ قَامَتْهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَسَّنَ مَا خَلَقَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: خَلَقَ آدَمَ فَسَوَّى خَلْقَهُ. وَقِيلَ: خَلَقَ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ، وَسَوَّى فِي أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ. وَقِيلَ: خَلَقَ الْأَجْسَادَ، فَسَوَّى الْأَفْهَامَ. وَقِيلَ: أَيْ خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَهَيَّأَهُ لِلتَّكْلِيفِ. (الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) قَرَأَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ السلمي وَالْكِسَائِيُّ (قَدَرَ) مُخَفَّفَةَ الدَّالِ، وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ. وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. أَيْ قَدَّرَ وَوَفَّقَ لِكُلِّ شَكْلٍ شَكْلَهُ. فَهَدى أَيْ أَرْشَدَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: قَدَّرَ الشَّقَاوَةَ وَالسَّعَادَةَ، وَهَدَى لِلرُّشْدِ وَالضَّلَالَةِ. وَعَنْهُ قَالَ: هَدَى الْإِنْسَانَ لِلسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَهَدَى الْأَنْعَامَ لِمَرَاعِيهَا. وَقِيلَ: قَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ وَأَرْزَاقَهُمْ، وَهَدَاهُمْ لِمَعَاشِهِمْ إِنْ كَانُوا إِنْسًا، وَلِمَرَاعِيهِمْ إِنْ كَانُوا وَحْشًا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ وَمُقَاتِلٍ وَالْكَلْبِيِّ فِي قَوْلِهِ فَهَدى قَالُوا: عَرَّفَ خَلْقَهُ كَيْفَ يَأْتِي الذكر الأنثى، كما قال في (طه): أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى»

[طه: 50] أَيِ الذَّكَرَ لِلْأُنْثَى. وَقَالَ عَطَاءٌ: جَعَلَ لِكُلِّ دَابَّةٍ مَا يُصْلِحُهَا، وَهَدَاهَا لَهُ. وَقِيلَ: خَلَقَ المنافع في الأشياء، وهدى الإنسان لوجه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015