أَيِ الْمَحْمُودِ فِي كُلِّ حَالٍ. (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لا شريك له فيهما وَلَا نَدِيدَ (وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أَيْ عَالِمٌ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خافية.
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أَيْ حَرَّقُوهُمْ بِالنَّارِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فَتَنَ فُلَانٌ الدِّرْهَمَ وَالدِّينَارَ إِذَا أَدْخَلَهُ الْكَوْرَ لِيَنْظُرَ جَوْدَتَهُ. وَدِينَارُ مَفْتُونٌ. وَيُسَمَّى الصَّائِغُ الْفَتَّانَ، وَكَذَلِكَ الشَّيْطَانُ، وَوَرِقٌ فَتِينٌ، أَيْ فِضَّةٌ مُحْتَرِقَةٌ. وَيُقَالُ «1» لِلْحَرَّةِ فَتِينٌ، أَيْ كَأَنَّهَا أَحْرَقَتْ حِجَارَتَهَا بِالنَّارِ، وَذَلِكَ لِسَوَادِهَا. (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) أَيْ مِنْ قَبِيحِ صَنِيعِهِمْ مَعَ مَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ لِهَذَا الْمَلِكِ الْجَبَّارِ الظَّالِمِ وَقَوْمِهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ عَلَى يَدِ الْغُلَامِ. (فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) لِكُفْرِهِمْ. (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) فِي الدُّنْيَا لِإِحْرَاقِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّارِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ أَيْ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ زَائِدٌ عَلَى عَذَابِ كُفْرِهِمْ بِمَا أَحْرَقُوا الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: لَهُمْ عَذَابٌ، وَعَذَابُ جَهَنَّمَ الْحَرِيقُ. وَالْحَرِيقُ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ، كَالسَّعِيرِ. وَالنَّارُ دَرَكَاتٌ وَأَنْوَاعٌ وَلَهَا أَسْمَاءٌ. وَكَأَنَّهُمْ «2» يُعَذَّبُونَ بِالزَّمْهَرِيرِ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُعَذَّبُونَ بِعَذَابِ الْحَرِيقِ. فَالْأَوَّلُ عَذَابٌ بِبَرْدِهَا، وَالثَّانِي عَذَابٌ بِحَرِّهَا. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا آمَنُوا بِاللَّهِ، أَيْ صَدَّقُوا بِهِ وَبِرُسُلِهِ. (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ) أَيْ بَسَاتِينَ. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَمِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَمِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى. (ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) أَيِ الْعَظِيمُ، الذي لا فوز يشبهه «3».