تفسير القرطبي (صفحة 7157)

أُخْرَى، حَتَّى ضَمَّ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، حَتَّى يُطْبَعَ عَلَى قَلْبِهِ. قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الرَّيْنُ، ثُمَّ قَرَأَ: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ. وَمِثْلُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَوَاءٌ. وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ صَارَ فِي قَلْبِهِ كَوَخْزَةِ الْإِبْرَةِ، ثُمَّ صَارَ إِذَا أَذْنَبَ ثَانِيًا صَارَ كَذَلِكَ، ثُمَّ إِذَا كَثُرَتِ الذُّنُوبُ صَارَ الْقَلْبُ كَالْمُنْخُلِ، أَوْ كَالْغِرْبَالِ، لَا يَعِي خَيْرًا، وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ صَلَاحٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي" الْبَقَرَةِ" (?) الْقَوْلَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِالْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهَا. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُوسَى عَنْ مُقَاتِلٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ، قَالَ: هُوَ الرَّانُّ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْفَخِذَيْنِ وَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ، وَهُوَ الَّذِي يُلْبَسُ فِي الْحَرْبِ. قَالَ: وَقَالَ آخَرُونَ: الرَّانُّ: الْخَاطِرُ الَّذِي يَخْطِرُ بِقَلْبِ الرَّجُلِ. وَهَذَا مِمَّا لَا يَضْمَنُ عُهْدَةَ صِحْتِهِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَأَمَّا عَامَّةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فَعَلَى مَا قَدْ مَضَى ذِكْرُهُ قَبْلَ هَذَا. وَكَذَلِكَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَيْهِ، يُقَالُ: رَانَ عَلَى قَلْبِهِ ذَنْبُهُ يَرِينَ رَيْنًا وَرُيُونًا أَيْ غَلَبَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلُهُ: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ أَيْ غَلَبَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كُلُّ مَا غَلَبَكَ [وَعَلَاكَ (?)] فَقَدْ رَانَ بِكَ، وَرَانَكَ، وَرَانَ عَلَيْكَ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَكَمْ رَانَ مِنْ ذَنْبٍ عَلَى قَلْبِ فَاجِرٍ ... فَتَابَ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي رَانَ وَانْجَلَى

وَرَانَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَقْلِهِ: أَيْ غَلَبَتْهُ، وَرَانَ عَلَيْهِ النُّعَاسُ: إِذَا غَطَّاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ فِي الْأُسَيْفِعِ- أُسَيْفِعِ جُهَيْنَةَ-: فَأَصْبَحَ قَدْ رِينَ بِهِ (?). أَيْ غَلَبَتْهُ الدُّيُونُ، وَكَانَ يُدَانُ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي زُبَيْدٍ يَصِفُ رَجُلًا شَرِبَ حَتَّى غَلَبَهُ الشَّرَابُ سُكْرًا، فَقَالَ:

ثُمَّ لَمَّا رَآهُ رَانَتْ بِهِ الْخَمْ ... - رُ وأن لا ترينه باتقاء (?)

فقول: رَانَتْ بِهِ الْخَمْرُ، أَيْ غَلَبَتْ عَلَى عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ. وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: قَدْ أَرَانَ الْقَوْمُ فَهُمْ مُرِينُونَ: إِذَا هَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ وَهَزَلَتْ. وَهَذَا مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي أَتَاهُمْ مِمَّا يَغْلِبُهُمْ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ احْتِمَالَهُ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ يُقَالُ: قَدْ رِينَ بِالرَّجُلِ رَيْنًا: إِذَا وَقَعَ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الخروج منه، ولا قبل له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015