تفسير القرطبي (صفحة 7100)

ونَكالَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ فِي قَوْلِ الزَّجَّاجِ، لِأَنَّ مَعْنَى أَخَذَهُ اللَّهُ: نَكَّلَ اللَّهُ بِهِ، فَأُخْرِجَ [نَكَالَ «1»] مَكَانَ مَصْدَرٍ مِنْ مَعْنَاهُ، لَا مِنْ لَفْظِهِ. وَقِيلَ: نُصِبَ بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ، أَيْ فَأَخَذَهُ اللَّهُ بِنَكَالِ الْآخِرَةِ، فَلَمَّا نُزِعَ الْخَافِضُ نُصِبَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ أَخَذَهُ اللَّهُ أَخْذًا نَكَالًا، أَيْ لِلنَّكَالِ. وَالنَّكَالُ: اسْمٌ لِمَا جُعِلَ نَكَالًا لِلْغَيْرِ أَيْ عُقُوبَةً لَهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ بِهِ. يُقَالُ: نَكَّلَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ: إِذَا أَثْخَنَهُ عُقُوبَةً. وَالْكَلِمَةُ مِنَ الِامْتِنَاعِ، وَمِنْهُ النُّكُولُ عَنِ الْيَمِينِ، وَالنِّكْلُ الْقَيْدُ. وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ" الْمُزَّمِّلِ" «2» وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً أَيِ اعْتِبَارًا وَعِظَةً. لِمَنْ يَخْشى أَيْ يخاف الله عز وجل.

[سورة النازعات (79): الآيات 27 الى 33]

أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (27) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (31)

وَالْجِبالَ أَرْساها (32) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (33)

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً: يُرِيدُ أَهْلَ مَكَّةَ، أَيْ أَخَلْقُكُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ أَشَدُّ فِي تَقْدِيرِكُمْ أَمِ السَّماءُ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى السَّمَاءِ قَدَرَ عَلَى الْإِعَادَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر: 57] وقول تَعَالَى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ [يس: 81]، فَمَعْنَى الْكَلَامِ التَّقْرِيعُ وَالتَّوْبِيخُ. ثُمَّ وَصَفَ السَّمَاءَ فَقَالَ: بَناها أَيْ رَفَعَهَا فَوْقَكُمْ كَالْبِنَاءِ. رَفَعَ سَمْكَها أَيْ أَعْلَى سَقْفَهَا فِي الْهَوَاءِ، يُقَالُ: سَمَكْتُ الشَّيْءَ أَيْ رَفَعْتُهُ فِي الْهَوَاءِ، وَسَمَكَ الشيء سموكا: أرتفع. وقال الفراء: كل شي حَمَلَ شَيْئًا مِنَ الْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ سَمْكٌ. وَبِنَاءٌ مَسْمُوكٌ وَسَنَامٌ سَامِكٌ تَامِكٌ أَيْ عَالٍ، والمسموكات «3»: السموات. وَيُقَالُ: اسْمُكْ فِي الدَّيْمِ، أَيِ اصْعَدْ فِي الدرجة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015