تفسير القرطبي (صفحة 7025)

ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الحج: 29] أَيْ أَعْمَالَ نُسُكِهِمُ الَّتِي أَلْزَمُوهَا أَنْفُسَهُمْ بِإِحْرَامِهِمْ بِالْحَجِّ. وَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ قَتَادَةَ. وَأَنَّ النَّذْرَ يَنْدَرِجُ فِيهِ مَا الْتَزَمَهُ الْمَرْءُ بِإِيمَانِهِ مِنَ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ، قَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ هُوَ نَذْرُ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ. وَرَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ مَالِكٌ. يُوفُونَ بِالنَّذْرِ قَالَ: النَّذْرُ: هُوَ الْيَمِينُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَخافُونَ أَيْ يَحْذَرُونَ يَوْماً أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً أَيْ عَالِيًا دَاهِيًا فَاشِيًّا (?) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مُمْتَدًّا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: اسْتَطَارَ الصَّدْعُ فِي الْقَارُورَةِ وَالزُّجَاجَةِ وَاسْتَطَالَ: إِذَا امْتَدَّ، قال الأعشى:

وبانت وقد أسأرت (?) في ألفوا ... دِ صَدْعًا عَلَى نَأْيِهَا مُسْتَطِيرَا

وَيُقَالُ: اسْتَطَارَ الْحَرِيقُ: إِذَا انْتَشَرَ. وَاسْتَطَارَ الْفَجْرُ إِذَا انْتَشَرَ الضَّوْءُ. وَقَالَ حَسَّانُ:

وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ (?)

وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: اسْتَطَارَ وَاللَّهِ شَرُّ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى مَلَأَ السموات وَالْأَرْضَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ شَرُّهُ فَاشِيًا فِي السموات فَانْشَقَّتْ، وَتَنَاثَرَتِ الْكَوَاكِبُ، وَفَزِعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَفِي الْأَرْضِ نُسِفَتِ الْجِبَالُ وَغَارَتِ الْمِيَاهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدُ: عَلَى قِلَّتِهِ وَحُبِّهِمْ إِيَّاهُ وَشَهْوَتِهِمْ لَهُ. وَقَالَ الدَّارَانِيُّ: عَلَى حُبِّ اللَّهِ. وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: عَلَى حُبِّ إِطْعَامِ الطَّعَامِ. وَكَانَ الرَّبِيعُ بن خيثم إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ قَالَ: أَطْعِمُوهُ سُكَّرًا فَإِنَّ الرَّبِيعَ يُحِبُّ السُّكَّرَ. مِسْكِيناً أَيْ ذَا مَسْكَنَةٍ. وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ الطَّوَّافُ يَسْأَلُكُ مَالَكَ وَيَتِيماً أَيْ مِنْ يَتَامَى الْمُسْلِمِينَ. وَرَوَى مَنْصُورٌ عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015