تفسير القرطبي (صفحة 7008)

[سورة القيامة (75): الآيات 26 الى 30]

كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (30)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) كَلَّا رَدْعٌ وَزَجْرٌ، أَيْ بَعِيدٌ أَنْ يُؤْمِنَ الْكَافِرُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ أَيْ بَلَغَتِ النَّفْسُ أَوِ الرُّوحُ التَّرَاقِيَ، فَأَخْبَرَ عَمَّا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ، لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: 32] وقوله تعالى: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة: 83] وَقَدْ تَقَدَّمَ «1». وَقِيلَ: كَلَّا مَعْنَاهُ حَقًّا، أَيْ حَقًّا أَنَّ الْمَسَاقَ إِلَى اللَّهِ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ أَيْ إِذَا ارْتَقَتِ النَّفْسُ إِلَى التَّرَاقِي. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِذَا بَلَغَتْ نَفْسُ الْكَافِرِ التَّرَاقِيَ. وَالتَّرَاقِي جَمْعُ تَرْقُوَةٍ وَهِيَ الْعِظَامُ الْمُكْتَنِفَةُ لِنُقْرَةِ النَّحْرِ، وَهُوَ مُقَدَّمُ الْحَلْقِ مِنْ أَعْلَى الصَّدْرِ، مَوْضِعُ الْحَشْرَجَةِ، قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةَ «2».

وَرُبَّ عَظِيمَةٍ دَافَعْتَ عَنْهُمْ ... وَقَدْ بَلَغَتْ نُفُوسُهُمُ التَّرَاقِيَ

وَقَدْ يُكَنَّى عَنِ الْإِشْفَاءِ عَلَى الْمَوْتِ بِبُلُوغِ النَّفْسِ التَّرَاقِيَ، وَالْمَقْصُودُ تَذْكِيرُهُمْ شِدَّةَ الْحَالِ عِنْدَ نُزُولِ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقِيلَ مَنْ راقٍ)

اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ: هُوَ مِنَ الرُّقْيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِمَا. رَوَى سِمَاكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: مَنْ رَاقٍ يَرْقِي: أَيْ يَشْفِي. وَرَوَى مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ هَلْ مِنْ طَبِيبٍ يَشْفِيهِ، وَقَالَهُ أَبُو قِلَابَةَ وَقَتَادَةُ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

هَلْ لِلْفَتَى مِنْ بَنَاتِ الدَّهْرِ مِنْ وَاقٍ ... أَمْ هَلْ لَهُ مِنْ حِمَامِ الْمَوْتِ مِنْ رَاقٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015