بِالرَّفْعِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْحَالِ، تَقُولُ: جَاءَ زَيْدٌ يَرْكُضُ أَيْ رَاكِضًا، أَيْ لَا تُعْطِ شَيْئًا مُقَدَّرًا أَنْ تَأْخُذَ بَدَلَهُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ النهي وهو ردئ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَوَابٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ تَمْنُنْ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَسْتَكْثِرْ. وَأَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ: لِأَنَّ الْمَنَّ لَيْسَ بِالِاسْتِكْثَارِ فَيُبْدَلُ مِنْهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَكَنَ تَخْفِيفًا كَعَضْدٍ. أَوْ أَنْ يَعْتَبِرَ حَالَ الْوَقْفِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى (تَسْتَكْثِرَ) بِالنَّصْبِ، تَوَهُّمَ لَامِ كَيْ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا تَمْنُنْ لِتَسْتَكْثِرَ. وَقِيلَ: هُوَ بإضمار" أن" كقوله: «1»
(أَلَا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِيُّ أَحْضُرَ الْوَغَى)
وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ" وَلَا تَمْنُنْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ". قَالَ الْكِسَائِيُّ: فَإِذَا حُذِفَ" أَنْ" رُفِعَ وَكَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا. وَقَدْ يَكُونُ الْمَنُّ بِمَعْنَى التِّعْدَادِ عَلَى الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ بِالنِّعَمِ، فَيَرْجِعُ إِلَى الْقَوْلِ [الثَّانِي»
]، وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى [البقرة: 2 264] وَقَدْ يَكُونُ مُرَادًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَاللَّهُ أعلم.
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) أَيْ وَلِسَيِّدِكَ وَمَالِكِكَ فَاصْبِرْ عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَعِبَادَتِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَى مَا أُوذِيتَ «3». وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: حُمِّلْتَ أَمْرًا عَظِيمًا، مُحَارَبَةَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَاصْبِرْ عَلَيْهِ لِلَّهِ. وَقِيلَ: فَاصْبِرْ تَحْتَ مَوَارِدِ الْقَضَاءِ لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: فَاصْبِرْ عَلَى الْبَلْوَى، لِأَنَّهُ يَمْتَحِنُ أَوْلِيَاءَهُ وَأَصْفِيَاءَهُ. وَقِيلَ: عَلَى أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ. وَقِيلَ: عَلَى فِرَاقِ الْأَهْلِ وَالْأَوْطَانِ.
فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)