تفسير القرطبي (صفحة 6927)

إِذَا نَزَلَ بِالرِّسَالَةِ نَزَلَتْ مَعَهُ مَلَائِكَةٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَنْ تَسْتَمِعَ الْجِنُّ الْوَحْيَ، فَيُلْقُوهُ إِلَى كَهَنَتِهِمْ، فَيَسْبِقُوا الرَّسُولَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: رَصَداً أَيْ حَفَظَةً يَحْفَظُونَ الْوَحْيَ، فَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالُوا: إِنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا ألقاه الشيطان قالوا: إنه من الشيطان «1». ورَصَداً نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَالرَّصَدُ الْقَوْمُ يَرْصُدُونَ كَالْحَرَسِ، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَرُبَّمَا قَالُوا أَرْصَادًا. وَالرَّاصِدُ لِلشَّيْءِ الرَّاقِبُ لَهُ، يُقَالُ: رَصَدَهُ يَرْصُدُهُ رَصْدًا وَرَصَدًا. وَالتَّرَصُّدُ الترقب والمرصد موضع الرصد «2».

[سورة الجن (72): آية 28]

لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28)

قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَعْلَمَ قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: أَيْ لِيَعْلَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّ الرُّسُلَ قَبْلَهُ قَدْ أَبْلَغُوا الرِّسَالَةَ كَمَا بَلَّغَ هُوَ الرِّسَالَةَ. وَفِيهِ حَذْفٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ اللَّامُ، أَيْ أَخْبَرْنَاهُ بِحِفْظِنَا الْوَحْيَ لِيَعْلَمَ أَنَّ الرُّسُلَ قَبْلَهُ كَانُوا عَلَى مِثْلِ حَالَتِهِ مِنَ التَّبْلِيغِ بِالْحَقِّ وَالصِّدْقِ. وَقِيلَ: لِيَعْلَمَ مُحَمَّدٌ أَنْ قَدْ أَبْلَغَ جِبْرِيلُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَيْهِ رِسَالَةَ رَبِّهِ، قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. قَالَ: وَلَمْ يَنْزِلِ الْوَحْيُ إِلَّا وَمَعَهُ أَرْبَعَةُ حَفَظَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَقِيلَ: لِيَعْلَمَ الرُّسُلُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَلَّغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ. وَقِيلَ: لِيَعْلَمَ الرَّسُولُ أَيُّ رَسُولٍ كَانَ أَنَّ الرُّسُلَ سِوَاهُ بَلَّغُوا. وَقِيلَ: أَيْ لِيَعْلَمَ إِبْلِيسُ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ سَلِيمَةً مِنْ تَخْلِيطِهِ وَاسْتِرَاقِ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ لِيَعْلَمَ الْجِنُّ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا مَا نَزَلَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُونُوا هُمُ الْمُبَلِّغِينَ بِاسْتِرَاقِ السَّمْعِ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لِيَعْلَمَ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ أَنَّ الْمُرْسَلِينَ قَدْ بَلَّغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ. وَقِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ لِيَعْلَمَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَأْوِيلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ وَيَعْقُوبُ بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ لِيُعْلِمَ النَّاسَ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ أَبْلَغُوا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّ رُسُلَهُ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِهِ بِفَتْحِ الْيَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 142]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015