تفسير القرطبي (صفحة 6907)

وَالْجَحْدَرِيُّ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنْ لَنْ تَقُولَ (?). وقيل: انقطع الاخبار عن الجن ها هنا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ فَمَنْ فَتَحَ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الْجِنِّ ردها إلى قوله: أَنَّهُ اسْتَمَعَ [الجن: 1]، وَمَنْ كَسَرَ جَعَلَهَا مُبْتَدَأً مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْمُرَادُ بِهِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ إِذَا نَزَلَ بِوَادٍ: أَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي مِنْ شَرِّ سُفَهَاءِ قَوْمِهِ، فَيَبِيتُ فِي جِوَارِهِ حَتَّى يُصْبِحَ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ تَعَوَّذَ بِالْجِنِّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ فَشَا ذَلِكَ فِي الْعَرَبِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ عَاذُوا بِاللَّهِ وَتَرَكُوهُمْ. وَقَالَ كَرْدَمُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي إِلَى الْمَدِينَةِ أَوَّلَ مَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآوَانَا الْمَبِيتُ إِلَى رَاعِي غَنَمٍ، فَلَمَّا انْتَصَفَ اللَّيْلُ جَاءَ الذِّئْبُ فَحَمَلَ حَمَلًا مِنَ الْغَنَمِ، فَقَالَ الرَّاعِي: يَا عَامِرَ الْوَادِي، [أَنَا (?)] جَارُكَ. فَنَادَى مُنَادٍ يَا سَرْحَانُ أَرْسِلْهُ، فَأَتَى الْحَمَلُ يَشْتَدُّ (?). وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ بِمَكَّةَ: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً أَيْ زَادَ الْجِنُّ الْإِنْسَ رَهَقاً أَيْ خَطِيئَةً وَإِثْمًا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. وَالرَّهَقُ: الْإِثْمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَغِشْيَانُ الْمَحَارِمِ، وَرَجُلٌ رَهِقٌ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ [يونس: 27] وقال الأعشى:

لا شي يَنْفَعُنِي مِنْ دُونِ رُؤْيَتِهَا ... هَلْ يَشْتَفِي وَامِقٌ (?) مَا لَمْ يُصِبْ رَهَقَا

يَعْنِي إِثْمًا. وَأُضِيفَتِ الزِّيَادَةُ إِلَى الْجِنِّ إِذْ كَانُوا سَبَبًا لَهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: فَزادُوهُمْ أَيْ إِنَّ الْإِنْسَ زَادُوا الْجِنَّ طُغْيَانًا بِهَذَا التَّعَوُّذِ، حَتَّى قَالَتِ الْجِنُّ: سُدْنَا الْإِنْسَ وَالْجِنَّ. وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ وَابْنُ زَيْدٍ: ازْدَادَ الْإِنْسُ بِهَذَا فَرَقًا وَخَوْفًا مِنَ الْجِنِّ. وَقَالَ سَعِيدُ ابن جُبَيْرٍ: كُفْرًا. وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ بِالْجِنِّ دُونَ الِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ كُفْرٌ وَشِرْكٌ. وَقِيلَ: لَا يُطْلَقُ لَفْظُ الرِّجَالِ عَلَى الْجِنِّ، فَالْمَعْنَى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ مِنْ شَرِّ الجن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015