قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) أَيْ مَبْسُوطَةً. (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً) السُّبُلُ: الطُّرُقُ. وَالْفِجَاجُ جَمْعُ فَجٍّ، وَهُوَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعَةُ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَقِيلَ: الْفَجُّ الْمَسْلَكُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. وقد مضى في سورة" الأنبياء «1» والحج".
قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (21)
شَكَاهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُمْ عَصَوْهُ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ. وَقَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: لَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا دَاعِيًا لَهُمْ وَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَجَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْأَبْنَاءَ بَعْدَ الْآبَاءِ، فَيَأْتِي بِهِمُ الْوَلَدَ بَعْدَ الْوَلَدِ حَتَّى بَلَغُوا سَبْعَ قُرُونٍ، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْإِيَاسِ مِنْهُمْ، وَعَاشَ بَعْدَ الطُّوفَانِ سِتِّينَ عَامًا حَتَّى كَثُرَ النَّاسُ وَفَشَوْا. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ قَوْمُ نُوحٍ يَزْرَعُونَ فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً يَعْنِي كُبَرَاءَهُمْ وَأَغْنِيَاءَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَزِدْهُمْ كُفْرُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِلَّا ضَلَالًا فِي الدُّنْيَا وَهَلَاكًا فِي الْآخِرَةِ. وَقَرَأَ أهل المدنية وَالشَّامِ وَعَاصِمٌ وَوَلَدُهُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ. الْبَاقُونَ (وُلْدُهُ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهِيَ لُغَةٌ فِي الْوَلَدِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لِلْوَلَدِ، كالفلك فإنه واحد وجمع. وقد تقدم «2».
[سورة نوح (71): آية 22]
وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22)
أَيْ كَبِيرًا عَظِيمًا. يُقَالُ: كَبِيرٌ وَكُبَارٌ وَكُبَّارٌ، مِثْلُ عَجِيبٍ وَعُجَابٍ وَعُجَّابٍ بِمَعْنًى، وَمِثْلُهُ طَوِيلٌ وَطُوَالٌ وَطُوَّالٌ. يُقَالُ: رَجُلٌ حَسَنٌ وَحُسَّانٌ، وَجَمِيلٌ وَجُمَّالٌ، وَقُرَّاءٌ لِلْقَارِئِ، وَوُضَّاءٌ لِلْوَضِيءِ. وَأَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيتِ:
بَيْضَاءُ تَصْطَادُ الْقُلُوبَ «3» وتستبي ... وبالسحن قلب المسلم القراء