إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ الَّذِي أَثْبَتَهُ. وَقَدْ يُضَافُ إِلَى الْقَوْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ [النحل: 61] لأنه مضروب لهم. ولَوْ بِمَعْنَى (إِنْ) أَيْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَعَلِمْتُمْ أَنَّ أجل الله إذا جاءكم لم يؤخر.
قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (6)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً) أَيْ سِرًّا وَجَهْرًا. وَقِيلَ: أَيْ وَاصَلْتُ الدُّعَاءَ. (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) أَيْ تَبَاعُدًا مِنَ الْإِيمَانِ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ (دُعَائِي) وَأَسْكَنَهَا الْكُوفِيُّونَ وَيَعْقُوبُ وَالدُّورِيُّ عَنْ أَبِي عمرو.
وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ) أَيْ إِلَى سَبَبِ الْمَغْفِرَةِ، وَهِيَ الْإِيمَانُ بِكَ وَالطَّاعَةُ لَكَ. (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) لِئَلَّا يَسْمَعُوا دُعَائِي (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) أَيْ غَطَّوْا بِهَا وُجُوهَهُمْ لِئَلَّا يَرَوْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلُوا ثِيَابَهُمْ عَلَى رؤوسهم لِئَلَّا يَسْمَعُوا كَلَامَهُ. فَاسْتِغْشَاءُ الثِّيَابِ إِذًا زِيَادَةٌ فِي سَدِّ الْآذَانِ حَتَّى لَا يَسْمَعُوا، أَوْ لِتَنْكِيرِهِمْ أَنْفُسَهُمْ حَتَّى يَسْكُتَ، أَوْ لِيُعَرِّفُوهُ إِعْرَاضَهُمْ عَنْهُ. وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْعَدَاوَةِ. يُقَالُ: لَبِسَ لِي فُلَانٌ ثِيَابَ الْعَدَاوَةِ. (وَأَصَرُّوا) أَيْ عَلَى الْكُفْرِ فَلَمْ يَتُوبُوا. (وَاسْتَكْبَرُوا) عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ «1» [الشعراء: 111]. (اسْتِكْباراً) تفخيم.
[سورة نوح (71): الآيات 8 الى 9]
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (9)