تفسير القرطبي (صفحة 6880)

النُّصُبُ جَمْعُ نِصَابٍ، هُوَ حَجَرٌ أَوْ صَنَمٌ يُذْبَحُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ «1» [المائدة: 3 [. وَقَدْ قِيلَ: نَصْبٌ وَنُصْبٌ وَنُصُبٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَمَا قِيلَ عَمْرٌ وَعُمْرٌ وَعُمُرٌ. ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلى نُصُبٍ إِلَى غَايَةٍ، وَهِيَ الَّتِي تَنْصِبُ إِلَيْهَا بَصَرَكَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إلى شي مَنْصُوبٍ، عَلَمٌ أَوْ رَايَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا يَبْتَدِرُونَ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ إِلَى نُصُبِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَلْوِي أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ. (يُوفِضُونَ) يُسْرِعُونَ وَالْإِيفَاضُ الْإِسْرَاعُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

فَوَارِسُ ذُبْيَانَ تَحْتَ الْحَدِي ... دِ كَالْجِنِّ يُوفِضْنَ مِنْ عَبْقَرِ

عَبْقَرٌ: مَوْضِعٌ تَزْعُمُ الْعَرَبُ أَنَّهُ مِنْ أَرْضِ الْجِنِّ. قَالَ لَبِيَدٌ:

كُهُولٌ وَشُبَّانٌ كَجِنَّةِ عَبْقَرِ «2»

وَقَالَ اللَّيْثُ: وَفَضَتِ الْإِبِلُ تَفِضْ وَفْضًا، وَأَوْفَضَهَا صَاحِبُهَا. فَالْإِيفَاضُ مُتَعَدٍّ، وَالَّذِي فِي الْآيَةِ لَازِمٌ. يُقَالُ: وُفِضَ وَأَوْفَضَ واستوفض بمعنى أسرع.

[سورة المعارج (70): آية 44]

خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) أَيْ ذَلِيلَةٌ خَاضِعَةٌ، لَا يَرْفَعُونَهَا لِمَا يَتَوَقَّعُونَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أَيْ يَغْشَاهُمُ الْهَوَانُ. قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ سَوَادُ الْوُجُوهِ. وَالرَّهَقُ: الْغَشَيَانُ، وَمِنْهُ غُلَامٌ مُرَاهِقٌ إِذَا غَشِيَ الِاحْتِلَامَ. رَهِقَهُ (بِالْكَسْرِ) يَرْهَقُهُ رَهَقًا أَيْ غَشِيَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ «3» [يونس: 26]. (ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) أَيْ يُوعَدُونَهُ فِي الدُّنْيَا أَنَّ لَهُمْ فِيهِ الْعَذَابَ. وَأُخْرِجَ الْخَبَرُ بِلَفْظِ الْمَاضِي لِأَنَّ مَا وَعَدَ اللَّهُ به يكون ولا محالة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015