تفسير القرطبي (صفحة 6876)

وَالْمَعْنَى: مَا بَالُهُمْ يُسْرِعُونَ إِلَيْكَ وَيَجْلِسُونَ حَوَالَيْكَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِمَا تَأْمُرُهُمْ. وَقِيلَ: أَيْ مَا بَالُهُمْ مُسْرِعِينَ فِي التَّكْذِيبِ لَكَ. وَقِيلَ: أَيْ مَا بَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا يُسْرِعُونَ إِلَى السَّمَاعِ منك ليعيبوك ويستهزءوا بِكَ. وَقَالَ عَطِيَّةُ: مُهْطِعِينَ: مُعْرِضِينَ. الْكَلْبِيُّ: نَاظِرِينَ إِلَيْكَ تَعَجُّبًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: عَامِدِينَ. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، أي ما بالهم مسرعين عليك، ما دين أَعْنَاقَهُمْ، مُدْمِنِي النَّظَرِ إِلَيْكَ. وَذَلِكَ مِنْ نَظَرِ الْعَدُوِّ. وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ. نَزَلَتْ فِي جَمْعٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، كَانُوا يَحْضُرُونَهُ- عَلَيْهِ السلام- ولا يؤمنون به. وقِبَلَكَ أَيْ نَحْوَكَ. (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) أَيْ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشِمَالِهِ حِلَقًا حِلَقًا وَجَمَاعَاتٍ. وَالْعِزِينُ: جَمَاعَاتٌ فِي تَفْرِقَةٍ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَمِنْهُ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَرَآهُمْ حِلَقًا فَقَالَ: (مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينِ أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا- قَالُوا: وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ-: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ) خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

تَرَانَا عِنْدَهُ وَاللَّيْلُ دَاجٍ ... عَلَى أَبْوَابِهِ حِلَقًا عِزِينَا

أَيْ مُتَفَرِّقِينَ. وَقَالَ الرَّاعِي:

أَخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إِنَّ عَشِيرَتِي ... أَمْسَى سَرَاتُهُمْ إِلَيْكَ عِزِينَا

أَيْ مُتَفَرِّقِينَ. وَقَالَ آخَرُ:

كَأَنَّ الْجَمَاجِمَ مِنْ وَقْعِهَا ... خَنَاطِيلُ (?) يَهْوِينَ شَتَّى عِزِينَا

أَيْ مُتَفَرِّقِينَ. وَقَالَ آخَرُ:

فَلَمَّا أَنْ أَتَيْنَ عَلَى أُضَاخٍ ... ضَرَحْنَ حَصَاهُ أَشْتَاتًا عِزِينَا (?)

وَقَالَ الْكُمَيْتُ:

وَنَحْنُ وَجَنْدَلٌ بَاغٍ تَرَكْنَا ... كتائب جندل شتى عزينا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015