تفسير القرطبي (صفحة 6872)

وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: أَطْرَافُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا نَظَرْتَ عَرَفْتَ الْفَخْرَ مِنْهَا ... وَعَيْنَيْهَا وَلَمْ تَعْرِفْ شَوَاهَا

يَعْنِي أَطْرَافَهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ أيضا: الشوى الهام. (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) أَيْ تَدْعُو لَظَى مَنْ أَدْبَرَ فِي الدُّنْيَا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَتَوَلَّى عَنِ الْإِيمَانِ. وَدُعَاؤُهَا أَنْ تَقُولَ: إِلَيَّ يَا مُشْرِكُ، إِلَيَّ يَا كَافِرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَدْعُو الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ بِأَسْمَائِهِمْ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ: إِلَيَّ يَا كَافِرُ، إِلَيَّ يَا مُنَافِقُ، ثُمَّ تَلْتَقِطُهُمْ كما يلتقط الطير الحب. وقال ثعلب: تَدْعُوا أَيْ تُهْلِكُ. تَقُولُ الْعَرَبُ: دَعَاكَ اللَّهُ، أَيْ أَهْلَكَكَ اللَّهُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: إِنَّهُ لَيْسَ كَالدُّعَاءِ" تَعَالَوْا" وَلَكِنْ دَعْوَتُهَا إِيَّاهُمْ تَمَكُّنُهَا مِنْ تَعْذِيبِهِمْ. وَقِيلَ: الدَّاعِي خَزَنَةُ جَهَنَّمَ، أُضِيفَ دُعَاؤُهُمْ إِلَيْهَا. وَقِيلَ هُوَ ضَرْبُ مَثَلٍ، أَيْ إِنَّ مَصِيرَ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى إِلَيْهَا، فَكَأَنَّهَا الدَّاعِيَةُ لَهُمْ. ومثله قول الشاعر:

ولقد هبطنا الواديين فؤاديا ... يَدْعُو الْأَنِيسَ بِهِ الْعَضِيضُ «1» الْأَبْكَمُ

الْعَضِيضُ الْأَبْكَمُ: الذُّبَابُ. وَهُوَ لَا يَدْعُو وَإِنَّمَا طَنِينُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ فَدَعَا إِلَيْهِ. قُلْتُ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْحَقِيقَةُ، حَسْبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ بِآيِ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ. الْقُشَيْرِيُّ: وَدُعَاءُ لَظَى بِخَلْقِ الْحَيَاةِ فِيهَا حِينَ تَدْعُو، وَخَوَارِقُ الْعَادَةِ غَدًا كَثِيرَةٌ. (وَجَمَعَ فَأَوْعى) أَيْ جَمَعَ الْمَالَ فَجَعَلَهُ فِي وِعَائِهِ وَمَنَعَ مِنْهُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ جَمُوعًا مَنُوعًا. قَالَ الْحَكَمُ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ لَا يَرْبِطُ كِيسَهُ وَيَقُولُ سَمِعْتُ الله يقول: وَجَمَعَ فَأَوْعى.

[سورة المعارج (70): الآيات 19 الى 21]

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) يَعْنِي الْكَافِرَ، عَنِ الضَّحَّاكِ. وَالْهَلَعُ فِي اللُّغَةِ: أَشَدُّ الْحِرْصِ وَأَسْوَأُ الْجَزَعِ وَأَفْحَشُهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدْ هَلِعَ (بِالْكَسْرِ) يَهْلَعُ فَهُوَ هلع وَهَلُوعٌ، عَلَى التَّكْثِيرِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ عَلَى خَيْرٍ وَلَا شَرٍّ حَتَّى يَفْعَلَ فِيهِمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015