أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ عَازِمِينَ عَلَى الصِّرَامِ وَالْجِدَادِ. قَالَ قَتَادَةُ: حَاصِدِينَ زَرْعَكُمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَا كَانَ فِي جَنَّتِهِمْ مِنْ زَرْعٍ وَلَا نَخِيلٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ حَرْثُهُمْ عِنَبًا وَلَمْ يَقُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ قَوْلُهُمْ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّنَا وَقِيلَ: مَعْنَى وَلا يَسْتَثْنُونَ أَيْ لَا يَسْتَثْنُونَ حَقَّ الْمَسَاكِينِ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ. فَجَاءُوهَا لَيْلًا فَرَأَوُا الْجَنَّةَ مُسَوَّدَةً قَدْ طَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ. قِيلَ: الطَّائِفُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمْرٌ مِنْ رَبِّكَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: عَذَابٌ مِنْ رَبِّكَ. ابْنُ جُرَيْجٍ: عُنُقٌ مِنْ نَارٍ خَرَجَ مِنْ وَادِي جَهَنَّمَ. وَالطَّائِفُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاللَّيْلِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. الثَّالِثَةُ- قُلْتُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَزْمَ مِمَّا يُؤَاخَذُ بِهِ الْإِنْسَانُ، لِأَنَّهُمْ عَزَمُوا عَلَى أَنْ يَفْعَلُوا فَعُوقِبُوا قَبْلَ فِعْلِهِمْ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ «1» [الحج: 25]. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: (إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ). وَقَدْ مَضَى مُبَيَّنًا فِي سُورَةِ" آلِ عِمْرَانَ" عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا «2» [آل عمران: 135].
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22)
قَوْلُهُ تَعَالَى فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ أَيْ كَاللَّيْلِ الْمُظْلِمِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الشَّاعِرُ:
تَطَاوَلَ لَيْلُكَ الْجَوْنُ البهيم ... فما ينجاب عن صبح بهيم «3»