تفسير القرطبي (صفحة 6763)

الْكَفَّارَةَ. وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ يَمِينٌ فِي الْكُلِّ حَتَّى فِي الْحَرَكَةِ وَالْكَوْنِ. وَعَوَّلَ الْمُخَالِفُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ الْعَسَلَ فَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ

[التحريم: 2] فَسَمَّاهُ يَمِينًا. وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا [المائدة: 87]، (?) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (?) [يونس: 59]. فَذَمَّ اللَّهُ الْمُحَرِّمَ لِلْحَلَالِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ كَفَّارَةً. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ. وَلَمْ يَجْعَلْ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَرِّمَ إِلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ. فَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَلَمْ يَنْوِ طَلَاقًا وَلَا ظِهَارًا فَهَذَا اللَّفْظُ يُوجِبُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ. وَلَوْ خَاطَبَ بِهَذَا اللَّفْظِ جَمْعًا مِنَ الزَّوْجَاتِ وَالْإِمَاءِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَلَوْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ طَعَامًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ بِذَلِكَ كَفَّارَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ. وَتَجِبُ بِذَلِكَ كَفَّارَةٌ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. الرَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ:" أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ" عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَوْلًا: أحدها- لا شي عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَمَسْرُوقٌ وَرَبِيعَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ وَأَصْبَغُ. وَهُوَ عِنْدَهُمْ كَتَحْرِيمِ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة: 87] وَالزَّوْجَةُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَمِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ. وَقَالَ تَعَالَى: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ»

[النحل: 116]. وَمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَهُ، وَلَا أَنْ يَصِيرَ بِتَحْرِيمِهِ حَرَامًا. وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ هُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ مَارِيَةَ لِيَمِينٍ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا بَعْدَ الْيَوْمِ) فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، أَيْ لِمَ تَمْتَنِعُ مِنْهُ بسبب اليمين. يعني أقدم عليه وكفر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015