تفسير القرطبي (صفحة 6754)

الْمَعْرُوفِ أَنْ يَكُونَ كِفَايَةُ الْغَنِيَّةِ مِثْلَ نَفَقَةِ الْفَقِيرَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لهند: (خدي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ). فَأَحَالَهَا عَلَى الْكِفَايَةِ حِينَ عَلِمَ السَّعَةَ مِنْ حَالِ أَبِي سُفْيَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِطَلَبِهَا، وَلَمْ يَقُلْ لَهَا لَا اعتبار بكفايتك وأن الواجب لك شي مُقَدَّرٌ، بَلْ رَدَّهَا إِلَى مَا يَعْلَمُهُ مِنْ قَدْرِ كِفَايَتِهَا وَلَمْ يُعَلِّقْهُ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ. ثُمَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ التَّحْدِيدِ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْقِيفٍ، وَالْآيَةُ لَا تَقْتَضِيهِ. الثَّانِيَةُ- رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَضَ لِلْمَنْفُوسِ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَفَرَضَ لَهُ عُثْمَانُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا. ابْنُ الْعَرَبِيِّ:" وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ السِّنِينَ أَوْ بِحَسَبِ حَالِ الْقَدْرِ فِي التَّسْعِيرِ لِثَمَنِ الْقُوتِ وَالْمَلْبَسِ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي وَجَدَّتِي أَنَّهَا كَانَتْ تَرِدُ عَلَى عُثْمَانَ فَفَقَدَهَا فَقَالَ لِأَهْلِهِ: مَا لِي لَا أَرَى فُلَانَةَ؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَدَتِ اللَّيْلَةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَشُقَيْقَةً سُنْبُلَانِيَّةً (?). ثُمَّ قَالَ: هَذَا عَطَاءُ ابْنِكِ وَهَذِهِ كَسَوْتُهُ، فَإِذَا مَرَّتْ لَهُ سَنَةً رَفَعْنَاهُ إِلَى مِائَةٍ. وَقَدْ أُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَنْبُوذٍ (?) فَفَرَضَ لَهُ مِائَةً. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: (هَذَا الْفَرْضُ قَبْلَ الْفِطَامِ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ مُسْتَحَبًّا لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حُكْمِ الْآيَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ وَاجِبًا لِمَا تَجَدَّدَ مِنْ حَاجَتِهِ وَعَرَضَ مِنْ مُؤْنَتِهِ، وَبِهِ أَقُولُ. وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ قَدْرُهُ بِحَالِهِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَبِحَالِهِ عِنْدَ الْفِطَامِ. وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ أَخَذَ الْمُدَّ بِيَدٍ وَالْقِسْطَ بِيَدٍ فَقَالَ: إِنِّي فَرَضْتُ لِكُلِّ نَفْسٍ مُسْلِمَةٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مُدَّيْ حِنْطَةٍ وَقِسْطَيْ خَلٍّ وَقِسْطَيْ زَيْتٍ. زَادَ غَيْرُهُ: وَقَالَ إِنَّا قَدْ أَجْرَيْنَا (?) لَكُمْ أَعْطِيَاتِكُمْ وَأَرْزَاقَكُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَمَنِ انْتَقَصَهَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَدَعَا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَمْ سُنَّةٌ رَاشِدَةٌ مَهْدِيَّةٌ قَدْ سَنَّهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وَالْمُدُّ وَالْقِسْطُ كَيْلَانِ شَامِيَّانِ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ، وَقَدْ دُرِسَا بعرف أخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015