الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ الزِّنَى، فَتَخْرُجُ وَيُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ الْبَذَاءُ عَلَى أَحْمَائِهَا، فَيَحِلُّ لَهُمْ إِخْرَاجُهَا. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي فَاطِمَةَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا بِلِسَانِهَا فَأَمَرَهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ تَنْتَقِلَ. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ سَعِيدٌ: تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتِ (?) النَّاسَ، إِنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً فَوُضِعَتْ عَلَى يَدَيِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى. قَالَ عِكْرِمَةُ: فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ" إِلَّا أَنْ يَفْحُشْنَ عَلَيْكُمْ". وَيُقَوِّي هَذَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَارِثِ رَوَى أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّكِ تَعْلَمِينَ لِمَ أُخْرِجْتِ؟ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْفَاحِشَةُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالْبَذَاءِ عَلَى الْأَهْلِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا وَالسُّدِّيِّ: الْفَاحِشَةُ خُرُوجُهَا مِنْ بَيْتِهَا فِي الْعِدَّةِ. وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ بِخُرُوجِهِنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَيْ لَوْ خَرَجَتْ كَانَتْ عَاصِيَةً. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْفَاحِشَةُ النُّشُوزُ، وَذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى النُّشُوزِ فَتَتَحَوَّلَ عَنْ بَيْتِهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ الْخُرُوجُ لِلزِّنَى، فَلَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْخُرُوجَ هُوَ خُرُوجُ الْقَتْلِ وَالْإِعْدَامِ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَثْنًى فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ الْبَذَاءُ، فَهُوَ مُفَسَّرٌ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ، فَوَهِمَ لِأَنَّ الْغِيبَةَ وَنَحْوَهَا مِنَ الْمَعَاصِي لَا تُبِيحُ الْإِخْرَاجَ وَلَا الْخُرُوجَ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَهُوَ صَحِيحٌ. وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ شَرْعًا إِلَّا أَنْ يَخْرُجْنَ تَعَدِّيًا. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) أَيْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي بَيَّنَهَا أَحْكَامُ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَقَدْ مَنَعَ التَّجَاوُزَ عَنْهَا، فَمَنْ تَجَاوَزَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَأَوْرَدَهَا مَوْرِدَ الْهَلَاكِ. (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) الْأَمْرُ الَّذِي يُحْدِثُهُ اللَّهُ أَنْ يُقَلِّبَ قَلْبَهُ مِنْ بُغْضِهَا إِلَى مَحَبَّتِهَا، وَمِنَ الرَّغْبَةِ عَنْهَا إِلَى الرَّغْبَةِ فِيهَا، وَمِنْ عَزِيمَةِ الطَّلَاقِ إِلَى النَّدَمِ عَلَيْهِ، فَيُرَاجِعَهَا. وَقَالَ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ: أَرَادَ بِالْأَمْرِ هُنَا الرَّغْبَةَ فِي الرَّجْعَةِ. وَمَعْنَى الْقَوْلِ: التحريض على