تفسير القرطبي (صفحة 6714)

فِيهِ مَدْخَلٌ، لِأَجْلِ أَنَّ الرَّجْعَةَ وَالْوَعِيدَ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا وَلَا الْمُخْتَلَفِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ تَنَاوُلُهُ لِلْوَاجِبِ مِنَ الْإِنْفَاقِ كَيْفَ تُصْرَفُ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، لِأَجْلِ أَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَحْقِيقُ الْوَعِيدِ. الرَّابِعَةُ- قوله تعالى: لَوْلا أَيْ هَلَّا، فَيَكُونُ اسْتِفْهَامًا. وَقِيلَ: لَا صِلَةَ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ بِمَعْنَى التَّمَنِّي. فَأَصَّدَّقَ نَصْبٌ عَلَى جواب التمني بالفاء. وَأَكُنْ عطف على فَأَصَّدَّقَ وهي قراءة أبى عَمْرٍو وَابْنِ مُحَيْصِنٍ وَمُجَاهِدٍ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَأَكُنْ بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَأَصَّدَّقَ لَوْ لَمْ تَكُنِ الْفَاءُ لَكَانَ مَجْزُومًا، أَيْ أَصَّدَّقَ. وَمِثْلُهُ: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ (?) [الأعراف: 186] فِيمَنْ جَزَمَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ الْآيَةُ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِ التَّوْحِيدِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَمَنَّى الرُّجُوعَ فِي الدُّنْيَا أَوِ التَّأْخِيرَ فِيهَا أَحَدٌ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ فِي الْآخِرَةِ. قُلْتُ: إِلَّا الشَّهِيدَ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى الرُّجُوعَ حَتَّى يُقْتَلَ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ. (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَالسُّلَمِيِّ بِالْيَاءِ، عَلَى الْخَبَرِ عَمَّنْ مَاتَ وَقَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ." تَمَّتِ السُّورَةُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ (?) "

[تفسير سورة التغابن]

سُورَةُ التَّغَابُنِ مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَكِّيَّةٌ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ مَكِّيَّةٌ وَمَدَنِيَّةٌ. وَهِيَ ثَمَانِي عَشْرَةَ آيَةً. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ" سُورَةَ التَّغَابُنِ" نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، إِلَّا آيَاتٌ مِنْ آخِرِهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَفَاءَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن: 14] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَفِي تَشَابِيكِ رَأْسِهِ مَكْتُوبٌ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ فَاتِحَةِ" سورة التغابن".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015