الرِّوَايَةِ بِأَنَّهَا بِمُدِّ هِشَامٍ. أَلَا تَرَى كَيْفَ نَبَّهَ مَالِكٌ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ بِقَوْلِهِ لِأَشْهَبَ: الشِّبَعُ عِنْدَنَا بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشِّبَعُ عِنْدَكُمْ أَكْثَرُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَنَا بِالْبَرَكَةِ. وَبِهَذَا أَقُولُ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ إِذَا أُدِّيَتْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ بِالْبَدَنِ كَانَتْ أَسْرَعَ إِلَى الْقَبُولِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْمَالِ كَانَ قَلِيلُهَا أَثْقَلَ فِي الْمِيزَانِ، وَأَبْرَكَ فِي يَدِ الْآخِذِ، وَأَطْيَبَ فِي شِدْقِهِ، وَأَقَلَّ آفَةً فِي بَطْنِهِ، وَأَكْثَرَ إِقَامَةً لِصُلْبِهِ (?). وَاللَّهُ أَعْلَمُ (?). الثَّانِيَةُ- وَلَا يُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنْ يُطْعِمَ أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ حَتَّى يُكْمِلَ الْعَدَدَ أَجْزَأَهُ. الثَّالِثَةُ- قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ غَرِيبِ الْأَمْرِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ إِنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ بَاطِلٌ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرَّشِيدِ وَالسَّفِيهِ، وَهَذَا فِقْهٌ ضَعِيفٌ لَا يُنَاسِبُ قَدْرَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ، وَقَدْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْحَجْرِ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشِيًا وَالنَّظَرُ يَقْتَضِيهِ، وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَجْرٌ لِصِغَرٍ أَوْ لِوِلَايَةٍ وَبَلَغَ سَفِيهًا قَدْ نُهِيَ عَنْ دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ، فَكَيْفَ يَنْفُذُ فِعْلُهُ فِيهِ وَالْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ. الرَّابِعَةُ- وَحُكْمُ الظِّهَارِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ نَاسِخٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الظِّهَارِ طَلَاقًا، وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَغَيْرِهِمَا. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) أَيْ ذَلِكَ الَّذِي وَصَفْنَا مِنَ التَّغْلِيظِ فِي الْكَفَّارَةِ (لِتُؤْمِنُوا) أَيْ لِتُصَدِّقُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لِمَا ذَكَرَهَا وَأَوْجَبَهَا قَالَ: (ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) أَيْ ذَلِكَ لِتَكُونُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى وَاقِفِينَ عِنْدَ حُدُودِهِ لَا تَتَعَدُّوهَا، فَسَمَّى التَّكْفِيرَ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ وَمُرَاعَاةٌ لِلْحَدِّ إِيمَانًا، فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ مَا أَشْبَهَهُ فَهُوَ إِيمَانٌ. فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: (ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) أَيْ لِئَلَّا تَعُودُوا لِلظِّهَارِ الذي هو منكر من القول وزور.