تفسير القرطبي (صفحة 6547)

فِيهِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ) (?) قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ (يَظَّاهَرُونَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ وَأَلِفٍ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (يظاهرون) بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَتَشْدِيدِ الْهَاءِ وَالظَّاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ. وقرا أبو العالية وعاصم وزر ابن حُبَيْشٍ (يُظَاهِرُونَ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الظَّاءِ وَأَلِفٍ وَكَسْرِ الْهَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي (الْأَحْزَابِ) (?). وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ (يَتَظَاهَرُونَ) وَهِيَ مَعْنَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ وَحَمْزَةَ. وَذَكَرَ الظَّهْرَ كِنَايَةً عَنْ مَعْنَى الرُّكُوبِ، وَالْآدَمِيَّةُ إِنَّمَا يُرْكَبُ بَطْنُهَا وَلَكِنْ كَنَّى عَنْهُ بِالظَّهْرِ، لِأَنَّ مَا يُرْكَبُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيَّاتِ فَإِنَّمَا يُرْكَبُ ظَهْرُهُ، فَكَنَّى بِالظَّهْرِ عَنِ الرُّكُوبِ. وَيُقَالُ: نَزَلَ عَنِ امْرَأَتِهِ أَيْ طَلَّقَهَا كَأَنَّهُ نَزَلَ عَنْ مَرْكُوبٍ. وَمَعْنَى أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي: أَيْ أَنْتِ عَلَيَّ مُحَرَّمَةٌ لَا يَحِلُّ لِي رُكُوبُكِ. الثَّانِيَةُ- حَقِيقَةُ الظِّهَارِ تَشْبِيهُ ظَهْرٍ بِظَهْرٍ، وَالْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ مِنْهُ تَشْبِيهُ ظَهْرٍ مُحَلَّلٍ بِظَهْرٍ مُحَرَّمٍ، وَلِهَذَا أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنَّهُ مُظَاهِرٌ. وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ ابْنَتِي أَوْ أُخْتِي أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَنَّهُ مُظَاهِرٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَرُوِيَ عَنْهُ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ، لأنه شبه امرأته بظهر محرم عليه مؤبد كَالْأُمِّ. وَرَوَى عَنْهُ أَبُو ثَوْرٍ: أَنَّ الظِّهَارَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْأُمِّ وَحْدَهَا. وَهُوَ مَذْهَبُ قَتَادَةَ وَالشَّعْبِيُّ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ. الثَّالِثَةُ- أَصْلُ الظِّهَارِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ الظَّهْرَ كِنَايَةً عَنِ الْبَطْنِ وَسِتْرًا. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي وَلَمْ يَذْكُرِ الظَّهْرَ، أَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي، فَإِنْ أَرَادَ الظِّهَارَ فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَإِنْ أَرَادَ الطلاق كان مطلقا البتة عند مالك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015