تفسير القرطبي (صفحة 6540)

آمَنَ بِي وَاتَّبَعَنِي وَصَدَّقَنِي فَقَدْ رَعَاهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِي فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسقون) يعنى الذي تهودوا وتهصروا. وَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَفِي الْآيَةُ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ أَيْضًا فَلَا تَعْجَبْ مِنْ أَهْلِ عَصْرِكَ ان أصروا على الكفر. والله أعلم.

[سورة الحديد (57): الآيات 28 الى 29]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أَيْ آمَنُوا بِمُوسَى وَعِيسَى (اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) أَيْ مِثْلَيْنِ مِنَ الْأَجْرِ عَلَى إِيمَانِكُمْ بِعِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليهما وَسَلَّمَ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ «1» فِيهِ. وَالْكِفْلُ الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ وَقَدْ مَضَى فِي (النِّسَاءِ) «2» وَهُوَ فِي الْأَصْلِ كِسَاءٌ يَكْتَفِلُ بِهِ الراكب فيحفظه من السقوط، قاله ابن جريح. وَنَحْوُهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ، قَالَ: اشْتِقَاقُهُ مِنَ الْكِسَاءِ الَّذِي يَحْوِيهِ رَاكِبُ الْبَعِيرِ عَلَى سَنَامِهِ إِذَا ارْتَدَفَهُ لِئَلَّا يَسْقُطَ، فَتَأْوِيلُهُ يُؤْتِكُمْ نَصِيبَيْنِ يَحْفَظَانِكُمْ مِنْ هَلَكَةِ الْمَعَاصِي كَمَا يَحْفَظُ الْكِفْلُ الرَّاكِبَ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: (كِفْلَيْنِ) ضِعْفَيْنِ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. وَعَنِ ابْنِ زَيْدٍ: (كِفْلَيْنِ) أَجْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقِيلَ: لَمَّا نَزَلَتْ (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) افتخر مؤمنو أهل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015