تفسير القرطبي (صفحة 6506)

أُجِيبَا بِجَوَابٍ وَاحِدٍ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَرُبَّمَا أَعَادَتِ الْعَرَبُ الْحَرْفَيْنِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) «1» أُجِيبَا بِجَوَابٍ وَاحِدٍ وَهُمَا شَرْطَانِ. وَقِيلَ: حُذِفَ أَحَدُهُمَا لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: فِيهَا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، مَجَازُهَا: فَلَوْلَا وَهَلَّا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا، تَرُدُّونَ نَفْسَ هَذَا الْمَيِّتِ إِلَى جَسَدِهِ إذا بلغت الحلقوم.

[سورة الواقعة (56): الآيات 88 الى 96]

فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92)

فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) ذَكَرَ طَبَقَاتِ الْخَلْقِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ الْبَعْثِ، وَبَيَّنَ دَرَجَاتِهِمْ فَقَالَ: (فَأَمَّا إِنْ كانَ) هَذَا الْمُتَوَفَّى (مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) وَهُمُ السَّابِقُونَ. (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ (فَرَوْحٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ ابن عباس وغيره: فراحة من الدنيا. وقال الْحَسَنُ: الرَّوْحُ الرَّحْمَةُ. الضَّحَّاكُ: الرَّوْحُ الِاسْتِرَاحَةُ. الْقُتَبِيُّ: الْمَعْنَى لَهُ فِي الْقَبْرِ طِيبُ نَسِيمٍ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنِ عَطَاءٍ: الرَّوْحُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ، وَالرَّيْحَانُ الِاسْتِمَاعُ لِكَلَامِهِ وَوَحْيِهِ، (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) هُوَ أَلَّا يُحْجَبَ فِيهَا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَالْجَحْدَرِيُّ وَرُوَيْسٌ وَزَيْدٌ عَنْ يَعْقُوبَ (فَرُوحٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ، وَرُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْحَسَنُ: الرُّوحُ الرَّحْمَةُ، لِأَنَّهَا كَالْحَيَاةِ لِلْمَرْحُومِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرُوحٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ فبقاء له وحياة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015