فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (80)
فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تعالى: (فَلا أُقْسِمُ) (فَلا) صِلَةٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَالْمَعْنَى فَأُقْسِمُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ). وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ نَفْيٌ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ (أُقْسِمُ). وَقَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ: لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ كَذَا فَلَا يُرِيدُ بِهِ نَفْيَ الْيَمِينِ، بَلْ يُرِيدُ بِهِ نَفْيَ كَلَامٍ تَقَدَّمَ. أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُ، بَلْ هُوَ كذا. وقيل: (فَلا) بِمَعْنَى أَلَا لِلتَّنْبِيهِ كَمَا قَالَ «1»:
أَلَا عِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي
وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى فَضِيلَةِ الْقُرْآنِ لِيَتَدَبَّرُوهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِشِعْرٍ وَلَا سِحْرٍ وَلَا كِهَانَةٍ كَمَا زَعَمُوا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَحُمَيْدٌ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ (فَلَأُقْسِمُ) بِغَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ اللَّامِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَهُوَ فِعْلُ حَالٍ وَيُقَدَّرُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ، التَّقْدِيرُ: فَلَأَنَا أُقْسِمُ بِذَلِكَ. وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِقْبَالَ لَلَزِمَتِ النُّونُ، وَقَدْ جَاءَ حَذْفُ النُّونِ مَعَ الْفِعْلِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الِاسْتِقْبَالَ وَهُوَ شَاذٌّ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِمَواقِعِ النُّجُومِ) مَوَاقِعُ النُّجُومِ مَسَاقِطُهَا وَمَغَارِبُهَا فِي قَوْلِ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ. عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: مَنَازِلُهَا. الْحَسَنُ: انْكِدَارُهَا وَانْتِثَارُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. الضَّحَّاكُ: هِيَ الْأَنْوَاءُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ إِذَا مُطِرُوا قَالُوا مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا. الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلا أُقْسِمُ) مُسْتَعْمَلًا عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ نَفْيِ الْقَسَمِ. الْقُشَيْرِيُّ: هُوَ قَسَمٌ، وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقْسِمَ بِمَا يُرِيدُ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُقْسِمَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ القديمة.