الطَّبَرِيُّ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالْمَعْنَى تَنْزِعُ النَّاسَ فَتَتْرُكُهُمْ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ، فَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْمَحْذُوفِ. الزَّجَّاجُ: الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نصب على الحال، وَالْمَعْنَى تَنْزِعُ النَّاسَ مُشَبَّهِينَ بِأَعْجَازِ نَخْلٍ. وَالتَّشْبِيهُ قِيلَ إِنَّهُ لِلْحُفَرِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا. وَالْأَعْجَازُ جَمْعُ عَجُزٍ وَهُوَ مُؤَخَّرُ الشَّيْءِ، وَكَانَتْ عَادٌ مَوْصُوفِينَ بِطُولِ الْقَامَةِ، فَشُبِّهُوا بِالنَّخْلِ انْكَبَّتْ لِوُجُوهِهَا. وَقَالَ: (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) لِلَفْظِ النَّخْلِ وَهُوَ مِنَ الْجَمْعِ الَّذِي يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. وَالْمُنْقَعِرُ: الْمُنْقَلِعُ مِنْ أَصْلِهِ، قَعَرْتُ الشَّجَرَةَ قَعْرًا قَلَعْتُهَا مِنْ أَصْلِهَا فَانْقَعَرَتْ. الْكِسَائِيُّ: قَعَرْتُ الْبِئْرَ أَيْ نَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى قَعْرِهَا، وَكَذَلِكَ الْإِنَاءُ إِذَا شَرِبْتُ مَا فِيهِ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى قَعْرِهِ. وَأَقْعَرْتُ الْبِئْرَ جَعَلْتُ لَهَا قَعْرًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: سُئِلَ الْمُبَرِّدُ بِحَضْرَةِ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي عَنْ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ هَذِهِ مِنْ جُمْلَتِهَا، فَقِيلَ لَهُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً)»
وَ (جاءَتْها رِيحٌ «2» عاصِفٌ)، وَقَوْلُهُ: (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) «3» وَ (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)؟ فقال: كلما وَرَدَ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنْ شِئْتَ رَدَدْتَهُ إِلَى اللَّفْظِ تَذْكِيرًا، أَوْ إِلَى الْمَعْنَى تَأْنِيثًا. وَقِيلَ: إِنَّ النَّخْلَ وَالنَّخِيلَ بِمَعْنًى يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ كَمَا ذَكَرْنَا. (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [تقدم «4»].
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) هُمْ قَوْمُ صَالِحٍ كَذَّبُوا الرُّسُلَ وَنَبِيَّهُمْ، أَوْ كَذَّبُوا بِالْآيَاتِ الَّتِي هِيَ النُّذُرُ (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) وندع جماعة. وقرا أبو الأشهب وابن السميقع وَأَبُو السَّمَّالِ الْعَدَوِيُّ (أَبَشَرٌ) بِالرَّفْعِ (وَاحِدٌ) كَذَلِكَ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ (نَتَّبِعُهُ). الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى أَنَتَّبِعُ بَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ. وَقَرَأَ أبو السمال «5»: