تفسير القرطبي (صفحة 6375)

وَالْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ (اللَّاتَ) بِالتَّخْفِيفِ اسْمُ صَنَمٍ وَالْوُقُوفُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ رَأَيْتُ الْكِسَائِيَّ سَأَلَ أَبَا فَقْعَسٍ الْأَسَدِيَّ (?) فَقَالَ ذَاهْ لِذَاتِ [وَلَاهْ لِلَّاتِ] وَقَرَأَ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاهَ) وَكَذَا قَرَأَ الدُّوْرِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ وَالْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ (اللَّاهَ) بِالْهَاءِ فِي الْوَقْفِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ (اللَّاتَ) مِنَ اللَّهِ وَقْفٌ بِالْهَاءِ أَيْضًا. وَقِيلَ: أَصْلُهَا لَاهَةٌ مِثْلُ شَاةٍ [أَصْلُهَا شَاهَةٌ] وَهِيَ مِنْ لَاهَتْ أَيِ اخْتَفَتْ، قَالَ الشَّاعِرُ:

لَاهَتْ فَمَا عُرِفَتْ يَوْمًا بِخَارِجَةٍ ... يَا لَيْتَهَا خَرَجَتْ حَتَّى رَأَيْنَاهَا

وَفِي الصِّحَاحِ: اللَّاتُ اسْمُ صَنَمٍ كَانَ لِثَقِيفَ وَكَانَ بِالطَّائِفِ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقِفُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ، وَبَعْضُهُمْ بِالْهَاءِ، قَالَ الْأَخْفَشُ: سَمِعْنَا مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ اللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَيَقُولُ هِيَ اللَّاتْ فَيَجْعَلُهَا تَاءً فِي السُّكُوتِ وَهِيَ اللَّاتِ فَأَعْلَمْ أَنَّهُ جُرَّ فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ، فَهَذَا مِثْلُ أَمْسِ مَكْسُورٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْهُ، لِأَنَّ الالف واللام اللتان فِي اللَّاتِ لَا تَسْقُطَانِ وَإِنْ كَانَتَا زَائِدَتَيْنِ، وَأَمَّا مَا سَمِعْنَا مِنَ الْأَكْثَرِ فِي اللَّاتِ وَالْعُزَّى فِي السُّكُوتِ عَلَيْهَا فَاللَّاهْ لِأَنَّهَا هَاءٌ فَصَارَتْ تَاءً فِي الْوَصْلِ وَهِيَ فِي تِلْكَ اللُّغَةِ مِثْلُ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَكَذَلِكَ هَيْهَاتِ فِي لُغَةِ مَنْ كَسَرَهَا، إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي هَيْهَاتَ أَنْ تَكُونَ جَمَاعَةً وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي اللَّاتِ، لِأَنَّ التَّاءَ لَا تُزَادُ فِي الْجَمَاعَةِ إِلَّا مَعَ الْأَلِفِ، وَإِنْ جُعِلَتِ الْأَلِفُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَيْنِ بَقِيَ الِاسْمُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّلَمِيُّ وَالْأَعْشَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ (وَمَنَاءَةَ) بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ. وَالْبَاقُونَ بِتَرْكِ الْهَمْزِ لُغَتَانِ. وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُرِيقُونَ عِنْدَهُ الدِّمَاءَ يَتَقَرَّبُونَ بِذَلِكَ إِلَيْهِ. وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ مِنًى لِكَثْرَةِ مَا يُرَاقُ فِيهَا مِنَ الدِّمَاءِ. وَكَانَ الْكِسَائِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ يَقِفُونَ بِالْهَاءِ عَلَى الأصل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015