تفسير القرطبي (صفحة 6365)

وَأَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ وَأَبُو وَائِلٍ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ: (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) أَيْ قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ، والقوس الذراع يقاس بها كل شي، وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْحِجَازِيِّينَ. وَقِيلَ: هِيَ لُغَةُ أَزْدِ شَنُوءَةَ أَيْضًا. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: قَوْلُهُ: (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) أَرَادَ قَوْسًا وَاحِدًا، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرَّتَيْنِ ... قَطَعْتُهُ بِالسَّمْتِ لَا بِالسَّمْتَيْنِ (?)

أَرَادَ مَهْمَهًا وَاحِدًا. وَالْقَوْسُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ فَمَنْ أَنَّثَ قَالَ فِي تَصْغِيرِهَا قُوَيْسَةٌ وَمَنْ ذَكَّرَ قَالَ قُوَيْسٌ، وَفِي الْمَثَلِ هُوَ من خير قويس سهما. والجمع قسي وقسي وَأَقْوَاسٌ وَقِيَاسٌ، وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ:

وَوَتَّرَ الْأَسَاوِرُ القياسا (?)

والقوس أيضا بقية النمر فِي الْجُلَّةِ أَيِ الْوِعَاءِ. وَالْقَوْسُ بُرْجٌ فِي السَّمَاءِ. فَأَمَّا الْقُوسُ بِالضَّمِّ فَصَوْمَعَةُ الرَّاهِبِ، قَالَ الشاعر وَذَكَرَ امْرَأَةً:

لَاسْتَفْتَنَتْنِي وَذَا الْمِسْحَيْنِ فِي الْقُوسِ (?)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى)

تَفْخِيمٌ لِلْوَحْيِ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْوَحْيِ وَهُوَ إِلْقَاءُ الشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ وَمِنْهُ الْوَحَاءُ (?) الْوَحَاءُ. وَالْمَعْنَى فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى. وَقِيلَ: الْمَعْنَى [(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ)

جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (مَا أَوْحى)

(?)]. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَأَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ. قَالَهُ الرَّبِيعُ وَالْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ وَقَتَادَةُ. قَالَ قَتَادَةُ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى جِبْرِيلَ وَأَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ. ثُمَّ قِيلَ: هَذَا الْوَحْيُ هَلْ هُوَ مُبْهَمٌ؟ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ نَحْنُ وَتُعُبِّدْنَا بِالْإِيمَانِ بِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015