تفسير القرطبي (صفحة 6360)

وَأَجَازَ الْعَطْفَ عَلَى الضَّمِيرِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الزَّجَّاجُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَاسْتَوَى جِبْرِيلُ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَهُوَ أَجْوَدُ. وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَوِي جِبْرِيلُ فَمَعْنَى (ذُو مِرَّةٍ) فِي وَصْفِهِ ذُو مَنْطِقٍ حَسَنٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُو خَلْقٍ طَوِيلٍ حَسَنٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ذُو صِحَّةِ جِسْمٍ وَسَلَامَةٍ مِنَ الْآفَاتِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ) (?). وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

كُنْتُ فِيهِمْ أَبَدًا ذَا حِيلَةٍ ... مُحْكَمَ الْمِرَّةِ مَأْمُونَ الْعُقَدِ

وَقَدْ قِيلَ: (ذُو مِرَّةٍ) ذُو قُوَّةٍ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَكَانَ مِنْ شِدَّةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ اقْتَلَعَ مَدَائِنَ قَوْمِ لُوطٍ مِنَ الْأَرْضِ السُّفْلَى (?)، فَحَمَلَهَا عَلَى جَنَاحِهِ حَتَّى رَفَعَهَا إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نَبْحَ كِلَابِهِمْ وَصِيَاحَ دِيَكَتِهِمْ ثُمَّ قَلَبَهَا. وَكَانَ مِنْ شِدَّتِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ أَبْصَرَ إِبْلِيسَ يُكَلِّمُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامَ عَلَى بَعْضِ عُقَابٍ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَنَفَحَهُ بِجَنَاحِهِ نَفْحَةً أَلْقَاهُ بِأَقْصَى جَبَلٍ فِي الْهِنْدِ. وَكَانَ مِنْ شِدَّتِهِ: صَيْحَتُهُ بِثَمُودَ فِي عَدَدِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ، فَأَصْبَحُوا جَاثِمِينَ خَامِدِينَ. وَكَانَ مِنْ شِدَّتِهِ: هُبُوطُهُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَصُعُودُهُ إِلَيْهَا فِي أَسْرَعَ مِنَ الطَّرْفِ. وَقَالَ قُطْرُبٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِكُلِّ جَزْلِ الرَّأْيِ حَصِيفِ الْعَقْلِ: ذُو مِرَّةٍ. قَالَ الشَّاعِرُ:

قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقَاكُمُ ذَا مِرَّةٍ ... عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ

وَكَانَ مِنْ جَزَالَةِ رَأْيِهِ وَحَصَافَةِ عَقْلِهِ: أَنَّ اللَّهَ ائْتَمَنَهُ عَلَى وَحْيِهِ إِلَى جَمِيعِ رُسُلِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْمِرَّةُ إِحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ، وَالْمِرَّةُ الْقُوَّةُ وَشِدَّةُ الْعَقْلِ أَيْضًا. وَرَجُلٌ مَرِيرٌ أَيْ قَوِيٌّ ذُو مِرَّةٍ. قَالَ:

تَرَى الرَّجُلَ النَّحِيفَ فَتَزْدَرِيهِ ... وَحَشْوُ ثِيَابِهِ أَسَدٌ مَرِيرُ (?)

وَقَالَ لَقِيطٌ:

حَتَّى اسْتَمَرَّتْ عَلَى شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ ... مُرُّ الْعَزِيمَةِ لا رتا ولا» ضرعا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015