تفسير القرطبي (صفحة 6346)

بِمُحَمَّدٍ الْمَوْتُ يَكْفِيكُمُوهُ كَمَا كَفَى شَاعِرَ بَنِي فُلَانٍ. قَالَ الضَّحَّاكُ: هَؤُلَاءِ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ نَسَبُوهُ إِلَى أَنَّهُ شَاعِرٌ، أَيْ يَهْلِكُ عَنْ قَرِيبٍ كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلُ مِنَ الشُّعَرَاءِ، وَأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ شَابًّا فَرُبَّمَا يَمُوتُ كَمَا مَاتَ أَبُوهُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: نَتَرَبَّصُ بِهِ إِلَى رَيْبِ الْمَنُونِ فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ، كَمَا تَقُولُ: قَصَدْتُ زَيْدًا وَقَصَدْتُ إِلَى زَيْدٍ. وَالْمَنُونُ: الْمَوْتُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو الْغَوْلِ الطُّهَوِيُّ:

هُمُ مَنَعُوا حِمَى الْوَقَبَى بِضَرْبٍ ... يُؤَلِّفُ بَيْنَ أَشْتَاتِ الْمَنُونِ (?)

أَيِ الْمَنَايَا، يَقُولُ: إِنَّ الضَّرْبَ يَجْمَعُ بَيْنَ قَوْمٍ مُتَفَرِّقِي الْأَمْكِنَةِ لَوْ أتتهم مناياهم في أماكنهم لا تتهم مُتَفَرِّقَةً، فَاجْتَمَعُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَأَتَتْهُمُ الْمَنَايَا مُجْتَمِعَةً. وَقَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (رَيْبَ) فِي الْقُرْآنِ شَكٌّ إِلَّا مَكَانًا وَاحِدًا فِي الطُّورِ (رَيْبَ الْمَنُونِ) يَعْنِي حَوَادِثَ الْأُمُورِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ (?):

تَرَبَّصْ بِهَا رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّهَا ... تُطَلَّقُ يَوْمًا أَوْ يَمُوتُ حَلِيلُهَا

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: (رَيْبَ الْمَنُونِ) حَوَادِثُ الدَّهْرِ، وَالْمَنُونُ هُوَ الدَّهْرُ، قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

أَمِنَ الْمَنُونِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ ... وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ

وقال الأعشى:

أأن رأت رجلا أعشى أضربه ... رَيْبُ الْمَنُونِ وَدَهْرٌ مُتْبِلٌ خَبِلُ (?)

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: المنون والليل وَالنَّهَارُ، وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يُنْقِصَانِ الْأَعْمَارَ وَيَقْطَعَانِ الْآجَالَ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ قِيلَ لِلدَّهْرِ مَنُونٌ، لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِمُنَّةِ الْحَيَوَانِ أَيْ قُوَّتِهِ وَكَذَلِكَ الْمَنِيَّةُ. أَبُو عُبَيْدَةَ: قِيلَ لِلدَّهْرِ مَنُونٌ، لِأَنَّهُ مُضْعِفٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ حَبْلٌ مَنِينٌ أَيْ ضَعِيفٌ، وَالْمَنِينُ الْغُبَارُ الضَّعِيفُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْمَنُونُ مُؤَنَّثَةٌ وَتَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا. الْأَصْمَعِيُّ: الْمَنُونُ وَاحِدٌ لَا جَمَاعَةَ له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015